البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

مقدمة

صفحة 6 - الجزء 1

  (١) ويشترط في فصاحة التركيب فوق جريان كلماته على القياس الصحيح وسهولتها أن يسلم من ضعف التأليف، وهو خروج الكلام عن قواعد اللغة المطردة كرجوع الضمير على متأخر لفظا ورتبة في قول سيدنا حسان ¥(⁣١):

  ولو أنّ مجدا أخلد الدهر واحدا ... من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما⁣(⁣٢)

  فإن الضمير في «مجده» راجع إلى «مطعما» وهو متأخر في اللفظ كما ترى، وفي الرتبة لأنه مفعول به، فالبيت غير فصيح.

  (٢) ويشترط أن يسلم التركيب من تنافر الكلمات، فلا يكون اتّصال بعضها ببعض مما يسبّب ثقلها على السمع، وصعوبة أدائها باللسان، كقول الشاعر:

  وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر⁣(⁣٣)

  قيل إن هذا البيت لا يتهيّأ لأحد أن ينشده ثلاث مرات متواليات دون أن يتتعتع⁣(⁣٤)، لأن اجتماع كلماته وقرب مخارج حروفها، يحدثان ثقلا ظاهرا، مع أن كل كلمة منه لو أخذت وحدها كانت غير مستكرهة ولا ثقيلة.

  (٣) ويجب أن يسلم التركيب من التّعقيد اللفظي، وهو أن يكون الكلام خفىّ الدلالة على المعنى المراد بسبب تأخير الكلمات أو تقديمها عن مواطنها الأصلية أو بالفصل بين الكلمات التي يجب أن تتجاور ويتّصل بعضها ببعض، فإذا قلت: «ما قرأ إلّا واحدا محمد مع كتابا أخيه»


(١) هو شاعر رسول اللّه ، أجمعت العرب على أنه أشعر أهل المدر.

قيل إنه عاش ١٢٠ سنة، ٦٠ في الجاهلية و ٦٠ في الإسلام، وتوفى سنة ٥٤ هـ.

(٢) هو مطعم بن عدي أحد رؤساء المشركين، وكان يذب عن النبي .

ومعنى البيت أنه لو كان مجد الإنسان أو شرفه سببا لطول حياته وخلوده في هذه الدنيا، لكان مطعم بن عدي أولى الناس بالخلود، لأنه حاز من المجد والسؤدد ما لم يحزه غيره.

(٣) البيت من الرجز، ولا يعرف قائله، ولعله مصنوع.

(٤) تتعتع في الكلام: تردد فيه من حصر أو عى.