الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 110 - الجزء 1

  بأوصافٍ مِن لازمها العدالة، فكانوا⁣(⁣١) عدولًا، (إلا من أبى(⁣٢)) العدالة منهم، بأن ظهر فسقه ولم يتب، فإنه لا يكون عدلًا؛ لقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}⁣[الحجرات ٩]، فأخبر تعالى أن الباغية خارجة عن أمره تعالى، وأن حدَّها القتل، حتى ترجع عن بغيها، وذلك يستلزم الفسق.

  قلت: فهذه مخصصة لعموم تلك الآية الأولى، وهو يُعمل بالخاص فيما


(١) وقوله ÷: «خير أمتي قرني». رواه الشيخان. وقيل: هم كغيرهم؛ فيبحث عن العدالة فيهم في الرواية والشهادة، إلا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها، كالشيخين. محلى. وقوله ÷: أصحابي كالنجوم، الخبر. وقوله ÷: «لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهبًا لما نال مُدَّ أحدهم». قسطاس.

(*) وقد ادعى ابن الصلاح الإجماع على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم كذلك، قال: ثبت ذلك بإجماع الذين يُعتدُّ بهم في الإجماع. قال إمام زماننا القاسم بن محمد #: وهلا تلا ابن الصلاح قوله تعالى: {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}⁣[التوبة ١٠١]، وقوله تعالى: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}⁣[آل عمران ١٥٢]، وهلا تذكر ما يروي هو في الصحاح في قوله ÷ في أصحابه الذين يردون الحوض فيحلون عنه، فيقول: «أصحابي أصحابي، فيقال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى»؟! وأين إجماع الأمة على التعديل مع استحلال أهل وقعة الجمل وصفين والنهروان دماء بعضهم بعضًا؟! اللهم إلا أن يخرج أولئك عن الأمة؛ كيف وهم كانوا هم الأمة! ثم مَن هؤلاء الذين يعتد بإجماعهم دون من سواهم؟! إن كان بدليل خاص فليبرزوه، فهو في محل الاحتجاج الذي لا يُقتصر فيه على مجرد الدعوى! ثم إن لمخالفِهِ أن يدعي خلاف ما ادعى، ثم لا يكون أيهما أولى بصحة دعواه من الآخر. قلت: وهذا الكلام يشفي الفؤاد من الأوام، ويذهب عنه حرَّ الاضطرام. ح. حا.

(٢) أي: مَن عصى، وأشار بهذه العبارة إلى ما في الحديث الذي أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة، وهو قوله ÷: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» فقالوا: من يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى». وذلك كمن قاتل الوصي عليًّا #، وكذا مَن ثَبَّطَ عنه؛ كأبي موسى الأشعري، فإنه كان يثبط الناس عن علي # بالكوفة. رواه في حواشي الفصول عن ابن زيد. وقال جمهور الفقهاء والمحدثين: عدول مطلقًا، وما شجر بينهم فمبناه على الاجتهاد. وقيل: إلى وقت الفتنة، وهي آخر أيام عثمان. فصول. وهذا يعزى إلى واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، قالا: لو شهد عليٌّ وطلحة والزبير وعائشة وعثمان ما قبلت شهادتهم. قال العضد: بل ما بين علي ومعاوية. واعترضه سعد الدين: بأنه قد اشتهر في السلف أن أول مَن بغى في الإسلام معاوية. قال في حواشي الفصول: أنصف الله من العضد وكان أمير المؤمنين خصمه. فعند هؤلاء أنه لا يقبل الداخلون في الفتن؛ لأن الفاسق غير متعين. ح. حا.