[المخصصات المنفصلة]
  والدليل على ما ذهب إليه الجمهور: أن العطف يُصيِّرها كالجملة الواحدة؛ لأن العطف رابط، كما أن عطف المفردات الواقعة موقع الخبر للمبتدأ يصيرها بمنزلة اسم واحد، كما إذا قلت: «اضرب الذين هم قتلة وسرقة وزناة إلا من تاب» عاد الاستثناء إلى الجميع اتفاقا؛ لأنها بمنزلة خبر واحد، فكذلك الجُمَل في قولك: «اضرب الذين قتلوا وسرقوا وزنوا إلا من تاب»؛ لعدم ما يصلح فارقًا، والله أعلم.
  نعم، فإن كان ثَمَّ قرينة تقتضي عود الاستثناء إلى البعض وجب أن يعود إلى ذلك البعض فقط، كأن يحصل تنافٍ بين الجُمَل، أو إضراب عن أولها. مثال التنافي: «اضرب بني تميم، والفقهاء هم أصحاب الشافعي إلا أهل البلد الفلاني»، فالجملتان متنافيتان؛ لاختلافهما في النوع، فيعود الاستثناء إلى التي تليه؛ إذ الجملة الأولى مستقلة بنفسها؛ لأنها من نوع آخر(١). ومثال الإضراب: «اضرب بني تميم» ثُمَّ تُضرب عن هذا الكلام وتقول: «أكرم قريشا إلا الأشرار» فإن الاستثناء يعود إلى التي تليه فقط، فتأمل! والله أعلم.
  ولما فرغ من بيان المخصِّص المتصل شرع في بيان المخصِّص المنفصل، فقال:
[المخصصات المنفصلة]
  (وأما المنفصل) وهو الذي يستقل(٢) بنفسه (فالكتاب، والسنة) بأقسامها، (والإجماع، والقياس، والعقل، والمفهوم على القول به)، فهذه هي المخصِّصات المنفصلة، وهي قسمان: لفظي، ومعنوي.
  فاللفظي(٣): الكتاب والأخبار.
  والمعنوي: الإجماع(٤)، والقياس، والعقل، والفعل، والتقرير.
(١) وفي شرح الغاية: إذ لا شيء أدل على استيفاء الغرض بالكلام من العدول عنه إلى قصة أخرى ونوع آخر، وفي رجوع الاستثناء إليه نقض للقول بأن المتكلم قد استوفى غرضه منه.
(٢) في شرح الغاية: وهو الذي لا يحتاج في ثبوته إلى ذكر العام معه.
(٣) والإجماع اللفظي.
(٤) في نسخة: الإجماع السكوتي.