[الباب التاسع: الاجتهاد]
[الباب التاسع: الاجتهاد]
  (البابُ التَّاسِعُ) من أبواب الكتاب (فِي الاجتهاد وَالتَّقْلِيدِ):
  أما (الاجتهاد) فهو في اللغة: استفراغ الوسع في تحصيل الشيء. ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة ومشقة، يقال: اجتهد في حمل الصخرة، ولا يقال: اجتهد في حمل النواة. وهو مأخوذ من الجُهد - بضم الجيم وفتحها - وهو: الطاقة.
  وفي الاصطلاح: (اسْتِفرَاغُ الفَقِيهِ الوُسعَ(١) فِي تَحصيلِ ظَنٍّ بِحُكمٍ شَرعِيٍّ).
  فقوله: «استفراغ الفقيه الوسع» جنس الحد. وقوله: «في تحصيل ظن» احتراز من استفراغ الوسع في فعل من الأفعال.
  وقوله: «بحكم شرعي» احتراز من العقلي واللغوي(٢)، فلا يسمى الاستفراغ لتحصيلهما اجتهاداً. والحكم الشرعي أعم من أن يكون أصلياً أو فرعياً.
  قيل: والأَولى أن يقال: في تحصيل حكم شرعي؛ ليعم القطعيَّ والظنيَّ.
  (وَالفَقِيهُ) في اصطلاح العلماء: (مَنْ يَتَمَكَّنُ(٣) مِنْ اِسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا) وأماراتها (التَّفْصِيلِيَّةِ)، وقد تقدم بيان هذه القيود في أول الكتاب.
  (وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ) - أي: من الاستنباط المذكور - المجتهد، فالفقيه هو المجتهد على ظاهر كلام القوم، وإن كان قد شاع إطلاقه على من يعلم فن الفقه وإن لم يكن مجتهدا.
(١) معنى استفراغ الوسع: بذل تمام الطاقة. غ. بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه. عضد.
(٢) كحكم العقل بالاستواء في كل متماثلين والاختلاف في كل متضادين، نحو: الحركة والسكون، والوجود والعدم.
(٣) قال: «من يتمكن» ولم يقل: «من يعرف» بل اكتفى بالإمكان لأن الاجتهاد ملكة للمجتهد بها بمكنه استنباط المسائل عن أدلتها. وقد يقال: إنه يدخل في هذا الحد كل مكلف، مجتهداً كان أو مقلداً؛ إذ ما من أحد إلا ويمكنه بلوغ درجة الاجتهاد، فيستخرج المسألة الفقيه حينئذٍ عن دليلها الشرعي، وكيف لا يمكن والاجتهاد فرض كفاية على جميع المكلفين، والتكليف يقتضي التمكن وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق. ويجاب بأن المراد بالإمكان الإمكان القريب، وهو الذي بغير واسطة في تحصيل المراد التي هي علوم الاجتهاد، فيخرج من الحد ما سوى المجتهد؛ إذ لا يمكنه ذلك إلا بتلك الواسطة ..