[الدليل الرابع: القياس]
  الأكثر من الأمة أنه قد ورد التعبد به عقلًا وسمعًا(١). وقيل: عقلا فقط. وقيل: سمعا فقط، فهو دليل شرعي(٢). وقيل: بل ورد الشرع بترك التعبد بالقياس(٣)، فليس دليلا.
  (وقد شذ هذا المخالف(٤) في كونه دليلا) شرعيًّا، حيث قال: إنه ليس بطريق شرعي يعمل به، لورود الشرع بتركه. (وهو(٥)) أي: قول المخالف: إنه ليس بدليل (محجوج) أي: ممنوع (بإجماع الصحابة) على العمل به؛ فإنه تكرر فيهم، وشاع وذاع، ولم ينكر عليهم؛ (إذ كانوا بين قائس وساكت سكوت رضا، والمسألة قطعية) فكان ذلك إجماعًا(٦) منهم على العمل به؛ إذ لو لم يكن
= ونعمل بمقتضى القياس في ذلك. ح السيد داود على المعيار.
(١) أي: عرفنا التعبد به من جهة العقل والسمع. أما العقل: فالذي يدل على التعبد به من جهته أنَّا إذا ظننا بأمارة شرعية علة حكم الأصل ثم علمنا بالعقل أو بالحس ثبوتها في شيء آخر - فإن العقل يوجب قياس ذلك الشيء على ذلك الأصل بتلك العلة، مثال ذلك: أنا أذا علمنا بطريق شرعي أن قبح شرب الخمر يحصل عند شدتها كان ذلك أمارة بكون شدتها هو علة تحريمها، فنعلم بالعقل وجوب قياس النبيذ على الخمر حيث حصل فيه مثل شدة الخمر، فهذا تحقيق دلالة العقل على التعبد به. وأما دلالة السمع فهو إجماع الصحابة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ح السيد داود على المعيار.
(*) ومن السمع قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر ٢]، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ}[الواقعة ٦٢]، قال صاحب الكشاف: فيه دليل على صحة القياس.
(٢) يعني على القول الأول. شامي.
(٣) أي: بوجوب ترك الاستدلال بالقياس في الأحكام الشرعية، وهذا قول من قال: إن المطلوب العلم في جميع الأحكام، ولا يعمل بالظن، واستشهدوا بالآيات التي منعت العمل بالظن، كقوله تعالى: {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[يونس ٣٦]، وكقوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء ٣٦]، قالوا: وقد ورد عن الصحابة إنكار العمل بالقياس، كما في قول علي - كرم الله وجهه -: (من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه)، وكذا عن غيره من الصحابة كأبي بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود ما يقتضي ترك العمل بالقياس. ولعل ذم العمل القياس في هذه حيث عمل به مع وجود النص. ح السيد داود.
(٤) وهم الإمامية والنظام والجاحظ، وجماعة من معتزلة بغداد، كالإسكافي والجعفرين والظاهرية والقاساني والنهرواني، فمنعوا كونه متعبدًا به من جهة السمع. طبري.
(٥) الظاهر أن الضمير راجع إلى المخالف، أي: والمخالف مغلوب بالحجة بإجماع الصحابة ... الخ، ولا وجه لصرف التفسير عن الظاهر لغير مرجح.
(٦) وهذا الإجماع وإن كان سكوتيًّا وهو ظني فإنه ها هنا يكون قطعيًّا؛ لأن المسألة قطعية لا ظنية؛ =