[شروط الأصل]
  (وَ) الثاني: أن (لَا) يكون الأصل (مَعْدُولاً بِهِ عَنْ سَنَنِ القِيَاسِ(١)) المعهود في الشرع، فلا بد أن يكون مما يمكن الإطلاع على علة شرعه، فإن كان مما لا يمكن فيه ذلك لم يصح القياس عليه؛ إذ القياس فرع تَعَقُّل العلة كما تقدم. فلا يصح القياس على القَسامة والشفعة؛ لأنهما معدولان عن سنن القياس الشرعي، ألا ترى أن القَسامة تجب على من لم يَدَّعِ عليه وليُّ الدم القتلَ، والقياس أن الحق لا يجب إلا على من ادعي عليه. وأيضا لا تسقط بها عنهم الدية، بل تلزمهم وإن لم يبين مدعيها، والقياس أن الحق يسقط باليمين إذا لم يبين المدعي. وأيضا وجبت على عدد مخصوص، وجعل الخيار إلى ولي الدم فيمن يحلف، وكل ذلك مخالف للقياس الشرعي.
  وكذلك الشفعة مخالفة للقياس في وجوبها للشريك والجار ولا سبب له من إرث أو غيره. وكذلك وجوب الدية على العاقلة في جناية الخطأ، حيث وجبت على غير الفاعل(٢)، وكأعداد الركعات في الصلاة(٣)، فإنه لا يُعقل علة جعلها على العدد المخصوص، ولِمَ جُعل الركوع مفردا والسجود مثنى؟ ونحو ذلك؛ فلا يصح القياس على ما هذا حاله؛ لعدم تحقق المعنى كما بيَّنا.
  (وَ) الشرط الثالث: أن (لَا) يكون الأصل المقيس عليه(٤) (ثَابِتاً بِقِيَاسٍ(٥))؛
(١) وذلك كما لا يعقل معناه، وهو قسمان: قسم أخرج عن قاعدة مقررة، كشهادة خزيمة، روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح أن رسول الله ÷ جعل شهادة خزيمة كشهادة رجلين، فلا يثبت ذلك الحكم لغيره، وإن كان أعلى منه رتبة في المعنى المناسب لذلك من التدين والصدق؛ لما علم ضرورة من تقرر القاعدة الشرعية على خلاف ذلك، وخروج هذا الفرد كالمستثنى منها. وقسم لم يخرج عن قاعدة كمقادير الحدود والعبادات والكفارات وغيرها. شرح غاية.
(٢) تغليظًا لحقن الدماء في الأول، ودفعًا لضرر الشفيع في الثاني؛ ولأن العاقلة يغنمون بكونه مقتولا فيغرمون بكونه قاتلا، وهذه المعاني لا توجد في أصل آخر. وفيه تأمل.
(٣) لا يصلح أن يكون مثال لما عدل به عن سنن القياس، وأيضا قد أغنى عنه ما تقدم في قوله: «إذ فيها ما لا يعقل معناه». إفادة سيدي محمد بن محمد الكبسي.
(٤) وأنت تعلم أن هذا من شروط حكم الأصل. قسطاس.
(٥) بل بنص أو بإجماع.
=