[الدليل الرابع: القياس]
  إذ لو كان كذلك لم يصح القياس عليه؛ إذ لو لم تنته الأصول إلى أصل منصوص عليه، بل إلى مقيس، والمقيس إلى مقيس، ثم كذلك - تسلسل القياس إلى ما لا نهاية له، وذلك يؤدي إلى بطلان القياس.
  وإن انتهى إلى أصل(١): فإما أن تتحد العلة في القياسين(٢)، أو تختلف.
  إن اتحدت كان ذكر الوسط - أعني: ما هو أصل في قياس وفرع في آخر - ضائعا؛ لإمكان طرحِهِ وقياسِ أحد الطرفين على الآخر.
  مثال ذلك: ما يقال في السفرجل: مطعوم فيكون ربويًّا كالتفاح، فيمنع كون التفاح ربويًّا، فيقال: لأنه مطعوم كالبر، فهذا باطل؛ لأنه كان يمكن أن يقاس السفرجل على البر من أول الأمر، فذكر التفاح عَرِي عن الفائدة؛ فيكون ضائعًا.
  وإن لم تتحد العلة في القياسين(٣)، بل اختلفت، مثل أن يقال في الجذام: عيب
(*) وها هنا فرعان ذكرهما أصحابنا: الأول: قال المؤيد بالله # في شرح التجريد: قال - يعني الهادي -: وفي جنين البهيمة إذا ألقته ميتًا نصف عشر قيمته، قاسه على جنين الأمة، كما قاس جنين الأمة على جنين الحرة، بعلة أنه جنين أسقطته الجناية. وفي البحر عن الهادي والإمام يحيى @: وفي جنين الدابة نصف عشر قيمته إن خرج ميتًا كجنين الأمة. وفيه عن القاسمية: وفي جنين الأمة نصف عشر قيمته كالحر، قاس جنين الدابة على جنين الأمة، وجنين الأمة على جنين الحرة. الثاني: قاس بعض أصحابنا موضحة رأس الرجل الخطأ على الغرة في أنها تحملها العاقلة، ثم قاسوا موضحة العبد ونحوها على موضحة الحر في ذلك الحكم، قالوا: لأنه مشبه بالحر؛ فقيمته ولو قلَّتْ كالدية، وأطرافه كأطراف الحر، فتحمل العاقلة ما كان نصف عشر قيمته، فالكلام في هذين الفرعين - كما رواه أبو طالب وغيره عن أبي عبد الله البصري - من أن القياس إنما هو لدفع ما يتوهم فارقا بين الفرعين فتدبر. شرح غاية.
(١) مع كونه ثابتا بقياس.
(٢) اللذين أحدهما لإثبات المطلوب، والآخر لإثبات أصله. شرح غاية.
(٣) في شرح الغاية: وأما الثاني فلأن علة حكم الأصل المطلق هي المعتبرة، ولم توجد في الفرع المطلق، والموجود فيه علة غير معتبرة، فلا مساواة بين الفرع المطلق وأصله في العلة المعتبرة. ولا اعتبار بمساواة في غيرها، فلا تعدية كما لو قيس الجذام على الرتق في فسخ النكاح به، بجامع كونهما عيبا يفسخ به البيع، فيمنع أن النكاح يفسخ بالرتق، فيثبت بقياسه على الجب بجامع فوات الاستمتاع، ففوات الاستمتاع هو الذي يثبت لأجله الحكم في الرتق، وهو غير موجود في الجذام، والوصف الثابت في الجذام لم يثبت اعتباره. منه بلفظه.