[شروط الحكم]
  هذا القيد لإخراج القياس في مسائل أصول الدين، فإنه يصح أن يكون الحكم فيها عقليًّا، كما هو مذهب البهشمية في أنه يصح الاحتجاج على وجود الباري بالقياس على أفعالنا، فالثابت بالقياس حكم عقلي، وهو وجوده تعالى(١). ولإخراج الحكم الثابت بين المشبه والمشبه به(٢) على جهة التقابل، والله أعلم.
  (كونه شَرْعِيًّا(٣)) أي: كونه من الأحكام الشرعية: إما وجوب، أو تحريم، أو ندب، أو كراهة، أو إباحة. فهذه لا يهتدي إليها العقل إلا بالأدلة الشرعية.
  (لَا عَقْلِيًّا) أي: لا يكون الحكم الثابت بالقياس الشرعي عقليًّا، نحو أن يقال في نقل العين المغصوبة: استيلاء حرَّمه الشرع، فيجب كونه ظلما كالغاصب الأول(٤). فهذا لا يصح؛ لأن الظلم إنما يثبت حيث يثبت وجهه، وهو كونه ضررًا عاريًا عن جلب نفعٍ ودفع ضرر واستحقاق. (وَلاَ لُغَوِيًّا) أي: لا يكون الحكم الثابت بالقياس الشرعي لغويًا؛ نحو: أن يقال في اللياط: وطء وجب فيه الحد فيسمى فاعله زانيا كواطئ المرأة، فهذا لا يصح؛ لأن إجراء الأسماء
= يشترط في حكم الأصل أن يكون شرعيًّا، أي: ثابتًا بدليل شرعي؛ لأن المراد بالقياس فيه القياس الشرعي، لكون الغرض منه إثبات حكم شرعي في الفرع، وإذا لم يكن الحكم في الأصل شرعيًّا، بل كان عقليًّا أو لغويًّا - إن قيل بثبوت اللغة بالقياس - فالحكم المتعدي إلى الفرع لا يكون شرعيا؛ فلا يكون الغرض من القياس الشرعي حاصلا. شرح غاية.
(١) وهذا موجود في بعض النسخ.
(٢) نحو «زيد كالأسد»، فليس حكما شرعيًّا.
(٣) فرعيًّا، فلا يجوز أن يكون من الأحكام الشرعية الأصلية؛ لاستلزام أن يكون الحكم في الفرع كذلك، والموصل إلى أصول الشرائع غير داخل في حد الأصول. شرح غاية.
(*) وانحصارُ المطلوب من القياس في إثبات حكم شرعي حتى يلزم كون الأصل حكما شرعيا مبنيٌّ على أن القياس لا يجري في اللغة، وأنه وإن جرى في العقليات فإن ذلك خارج عما نحن بصدده. وفائدة هذا الشرط تظهر فيما إذا قاس النفي، فإذا لم يكن المقتضي ثابتًا في الأصل كان نفيًا أصليًّا، والنفي الأصلي لا يقاس عليه النفي الطارئ وهو حكم شرعي، ولا الأصلي لثبوته بدون القياس وبلا جامع، ولذلك يقول المناظر: لا بد من بيان المقتضي في الأصل، وما ذلك إلا ليكون النفي حكما شرعيا. قسطاس.
(٤) أي: كنقل الغاصب الأول.
(*) يعني فلا يصح إثبات حكم عقلي بالقياس على حكم عقلي آخر؛ لأن العقل يدل عليهما على سواء، فلا يجعل أحدهما أصلا والثاني فرعًا.