[الدليل الرابع: القياس]
  بد للحكم من علة في الجملة، وقد تعينت العلة بهما؛ فيجب اعتبارهما للإجماع على وجوب العمل بالظن في علل الأحكام، وقد حصل الظن بتعيين العلة بهما، فيجب كونهما طريقين. فتأمل ذلك، والله أعلم.
  (و) اعلم أنها (تنخرم المناسبة(١)) بين الحكم والعلة (بلزوم مفسدة) من إثبات الحكم بها، يعني إذا ثبت(٢) الحكم بوصف يفضي إلى حصول مصلحة على وجه يلزم منه وجود مفسدة - فإنها تنخرم تلك المناسبة؛ فلا تثبت بها العلة حينئذ، ولكن إنما تنخرم بذلك إذا كانت تلك المفسدة (راجحة) على المصلحة التي ثبتت بالمناسبة، (أو) كانت (مساوية) لتلك المصلحة.
  قلت: ومثال ذلك: ما يقال فيمن غَصَّ(٣) بلقمة - مثلا - وخشي التلف، ولم يجد ما يُنزلها به إلا الخمر - فإن في تحريمه مناسبة لحفظ العقل كما تبين، ولكن يلزم من المناسبة حصول مفسدة، وهو هلاكه لو لم يشربه، وهذه المفسدة أرجح من المصلحة؛ إذ حفظ النفس أَولى من حفظ العقل، فتأمل ذلك! والله أعلم.
  وإنما انخرمت المناسبة بذلك لأن العقل يقضى بأن لا مصلحة مع حصول مفسدة(٤) مثلها.
  وأما إذا كانت المصلحة أرجح، فإنها لا تنخرم المناسبة بمعارضتها.
  وترجيح المصلحة على المفسدة يحصل: إما بطريق إجمالي(٥) شامل لجميع المسائل،
= العلة لما كانت الأحكام رحمة؛ لأن التكليف بالأحكام من غير أن يكون فيها حكمة وفائدة للمكلف يكون مشقة وعذابًا. شرح مختصر المنتهى للأصفهاني.
(١) الحاصلة للوصف مع الحكم. رفو.
(٢) «أثبت» نخ.
(٣) غَصَّ بالطعام يغَصُّ من باب نفع ينفع.
(٤) وذهب البعض إلى أنها لا تهمل وإن كانت مرجوحة، والقول هو الأول؛ لقضاء العقل بانتفاء المصلحة حينئذٍ بالضرورة، ولهذا لا يعد العقلاء تحصيل مصلحة درهم واحد على وجه يستلزم فوات مثله أو أكثر مناسبًا، بل يعدون المتصرف بذلك خارجا بتصرفه عن تصرفات العقلاء. شرح غاية.
(٥) لأن الأحكام الشرعية لجلب المصالح ودفع المضار، وعند المعتزلة أنها مصالح وألطاف، وعند أئمتنا أنها شكر للمنعم وهو الله ﷻ، والله أعلم.