[الدليل الرابع: القياس]
  وهو أنه لو لم يعتبر رجحان المصلحة على المفسدة لزم التعبد بالحكم(١) بلا وجه(٢)؛ إذ يكون الحكم قد ثبت في محل النزاع(٣) لا لمصلحة، وهو باطل؛ إذ فيه التعبد بالتحكم(٤). وإما بطريق تفصيلي(٥)، وهو يختلف باختلاف المسائل، والله أعلم.
  (و) أما (المناسب(٦)) فحقيقته: (وصف ظاهر منضبط يقضي العقل(٧) بأنه الباعث على الحكم)، وذلك كالإسكار في تحريم الخمر.
  واحترز بقوله: «ظاهر» عن الخفي، وبقوله: «منضبط» عن المضطرب؛ لأن العلة مُعَرِّفة للحكم، فإذا كان الوصف خفيًّا أو غير منضبط لم يعرف هو في نفسه، فكيف يعرف به الحكم؟ فما يصلح معرِّفًا للحكم لا بد وأن يكون ظاهرًا
(١) في محل النزاع. قسطاس.
(٢) أي: بلا مصلحة.
(٣) وهو الفرع.
(٤) «بالحكم» نخ.
(٥) وسيأتي بيانه في الاعتراض العاشر إن شاء الله تعالى.
(٦) فالمناسب بمقتضى ما ذكر: ما تعينتْ عليته بذلك، يعني أنه وصف تتعين عليته بمجرد إبداء المناسبة لا بنصٍّ ولا بغيره. ويقال في الاصطلاح على ما هو أعم من ذلك، فهو وصف ... الخ. شرح غاية.
(*) قوله: «والمناسب وصف ..» الخ: واعلم أن المقاصد الشرعية، أي: التي قصدها الشارع لتكون علة في أحكام يجب مراعاتها لمصالح الأمة - ضربان: ضروري في أصله: وهي أعلى المراتب، كالخمسة التي روعيت في كل ملة، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل، فمراعاتها علة في أحكام، فحفظ الدين علة في قتل الكافر، وحفظ النفس علة في القصاص، وحفظ العقل علة في تحريم الخمر، وحفظ المال علة في قطع السارق والمحارب، وحفظ النسل علة في تحريم الزنا ونحوه، وقد نظمها بعضهم حيث قال:
وروعيَ - فاعلم ذاك - في كل ملة ... مضتْ حفظ خمس في جميع الشرائعِ
هي الدين، ثم النفس والعقل ثالث ... مع النسل مالٌ فاحْشها في المسامع
ومكمل للضروري: كتحريم قليل المسكر والحد عليه. والضرب الثاني: غير ضروري، وهو: إما حاجي، كالبيع والإجارة والقراض والمساقاة، وبعضها في الحاجة أكثر من بعض، وقد يكون ضروريا كالإجارة على تربية الطفل وشراء المطعوم والملبوس له ولغيره. ومكمل للحاجي: كرعاية الكفاءة ومهر المثل في الصغيرة، فإنه يفضي إلى دوام النكاح بين الزوجين وإن كان النكاح يحصل بدونهما. أو غير حاجي: كما يقول الشافعي في سلب العبد أهلية الشهادة لنقصانه عن المناصب الشريفة، وكما نقول نحن في تقديم الإمام الأعظم أو وليه في صلاة الجنازة فرعًا على ما عُرِف من محاسن العادات. ح للسيد داود.
(٧) وقيد القصد بكونه عند العقلاء - أي: مقصودا لهم من حصول مصلحة واندفاع مفسدة - ليخرج المدار والمستبقى في السبر ونحوهما. وليس المراد من المقصود ما يكون مقصودا من شرع الحكم، وإلا لزم الدور؛ لأن كونه مقصودا من شرع الحكم يعرف بأنه مناسب، فلو عرف كونه مناسبا بذلك كان دورًا. ح غ.