[خاتمة]
  (والمختار) عند أكثر الفقهاء والمتكلمين (أن كل ما ينتفع به من دون ضرر عاجل ولا آجل فحكمه الإباحة)، بمعنى: أنه لا إذن(١) ولا حرج في ذلك (عقلا) أي: يقضي العقل بذلك نحو: اقتطاع الشجر والانتفاع بها، ونحت الصخور لينتفع بها، واستخراج المعادن، ونحو ذلك، فهذه كلها يقضي العقل بالإباحة فيها؛ إذ لا ضرر علينا فيها لا عاجلا ولا آجلا(٢).
  (وقيل) أي: قال بعض الشافعية وبعض الإمامية: (بل) الأصل فيها هو (الحظر(٣)).
  واختلف القائلون به، فمنهم من قال: ما لا يقوم البدن إلا به من طعام وشراب ونحوه فمباح عقلا، وما زاد على ذلك فمحظور.
  ومنهم من قال: بل كل ما مسَّت الحاجة إليه فمباح، وما سواه محظور.
(*) في الغاية وشرحها ما لفظه: واختلف فيما لا يدرك فيه بخصوصه جهة محسنة له أو جهة مقبحة له؛ كالتمشي بالبراري، والتظلل تحت أشجارها، والشرب من أنهارها، وتناول ما ينتفع به الحي ولا مضرة فيه على أحد، كالنابت في غير ملك؛ فقوله: «ما لا يدرك فيه بخصوصه» معناه: أن العقل لا يحكم فيه على جهة التخصيص والتفصيل في كل فعل، وأما على جهة الإجمال فإنه يدرك فيه ذلك ويحكم به، ولهذا اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة: الأول: الإباحة ... الخ.
(*) وليس الخلاف في الأفعال التي قضى العقل فيها بحسن أو قبح، فهي بين واجب ومندوب ومحظور ومكروه ومباح؛ لأنه لو اشتمل أحد طرفيه على مفسدة: فإما في فعله فحرام، أو تركه كرد الوديعة وشكر المنعم فواجب، وإن لم يشتمل عليها: فإن اشتمل على مصلحة: فإما في فعله كالصفح عن المسيء فمندوب، أو تركه كمكافأة المسيء فمكروه، وإن لم يشتمل عليها أيضًا فمباح كفعل الصبي؛ وإنما الخلاف في الفعل الذي لا يدرك العقل فيه بخصوصه جهة محسنة. قسطاس.
(١) في القسطاس ما لفظه: قيل: وهي الإذن وعدم الحرج.
(٢) قال صاحب القسطاس بعد سوق كلام ما لفظه: وذكر غير واحد من الأشاعرة أن المراد هو أن العقل يحكم فيما هو كذلك بأنه حرام في حكم الشارع وإن لم يظهر الشرع ويبعث النبيء، أو مباح كذلك، فيحقق.
(*) فالحكمة تقتضي إباحته إياه؛ تحصيلا لمقصود خلقها وإلا كان عبثا خاليا عن الحكمة، وأنه نقص، ولا يحظر إلا بدليل. معيار وقسطاس. ولقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس ٨]، أي: بما ركب فيها من العقول، ولم يفصل. ح فصول للسيد صلاح، وفيه تأمل.
(٣) لأن ذلك تصرف في ملك الغير بغير إذنه؛ لأنه المفروض، فيقبح. قلنا: لا نسلم قبح التصرف في ملك الغير مطلقا، وإنما يقبح لو ضره، أي: المالك، لكنه فيما نحن فيه منزه عن الضرر. شرح غاية.