الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[خاتمة]

صفحة 261 - الجزء 1

  أكثر من ذلك، أو زمان الصلاة - وهو أيام الطهر - أقلَّ - لَذَكَرُه. فاللفظ لا يدل على ذلك بصريحه، ولا باقتضائه، ولا بإيمائه، بل يشير إليه إشارة فقط، كما تبين.

  ومن هذا قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}⁣[الأحقاف ١٥]، مع قوله في آية أخرى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}⁣[لقمان ١٤]، فإنه يُعلم منهما أن أقل الحمل ستة أشهر، ولكنه - سبحانه - لم يقصد بالآيتين بيان ذلك؛ لأن المقصود في الأُولى: بيان حق الوالدة، وما تقاسيه المرأة من التعب في الحمل والفصال. والمقصود في الثانية: بيان أكثر مدة الفصال، ولكن لزم منه ذلك؛ لأنه إذا كان أكثر مدة الرضاع حولين كاملين، ومدة الحمل والفصال ثلاثون شهرا - لزم منه كون أقل الحمل ستة أشهر، وذلك واضح⁣(⁣١) كما ترى.


(١) لفظ شرح الغاية، ولكن لزم منه ذلك كما ترى. ومثل قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}⁣[البقرة: ١٨٧]، فإنه يعلم منه جواز إصباح الصائم جنباً، وعدم إفساده للصوم، ولا شك أنه لم يقصد ذلك في الآية. ومثل قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}⁣[الحشر ٨]، فإنه يدل على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالإستيلاء، مع أنها إنما سيقت لبيان استحقاقهم من الغنيمة؛ لأن الله تعالى سماهم فقراء مع إضافة الأموال إليهم، والفقير من لا مال له، لا من لا يصل إلى يده المال وإن كان ملكاً له؛ فلو كانت باقية على ملكهم لزم المجاز، وهو خلاف الأصل. لا يقال: الإضافة تقتضي الملك؛ فيتعارضان فتبطل الإشارة؛ لأنه يقال: قد تقرر عند علماء العربية أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة بين المضاف والمضاف إليه، فلا نسلّم اقتضاءها للملك. وكل واحد من الأحوال التي دلّ عليها بالإقتضاء أو الإيماء أو الإشارة حال للمذكور، ولكنها غير مذكورة في العبارة، وإنما هو مدلول عليها بالالتزام؛ فخرجت عن المنطوق الصريح إلى غير الصريح، وفارقت المفهوم؛ لأنه لا يكون حالاً للمذكور، وإنما يكون حالاً لغير المذكور، كتحريم الضرب، فإن التحريم حالٌ للضرب وهو غير مذكور، وإنما المذكور التأفيف. وكعدم وجوب الزكاة في المعلوفة، فإنه حال للمعلوفة وهي غير مذكورة، وإنما المذكور السائمة في نحو: الغنم السائمة زكاة. بيان ذلك فيما ذكرناه من الأمثلة أن المؤاخذة، والأهل، والتمليك، والعلّيّة، ومساواة مدة الحيض لمدة الطهر في بعض النساء، وأقل مدة الحمل، وجواز الإصباح جنباً، وملك الكفار لما استولوا عليه من أموال المسلمين - أحوال غير مذكورة لمذكورات، هي الخطأ والنسيان، والقرية، والعبد، والمعلول، وبعض النساء، والحمل، والصائم، والفقراءالمهاجرون؛ فلا اشتباه بين غير الصريح من المنطوق وبين المفهوم كما توهم. ح - غ، قوله: ولا شك أنه لم يقصد ذلك ... الخ، هذا محل تأمل؛ لأنه لا بد أن يقصد جميع ما يدل عليه القول، فكيف يقال إن جواز الإصباح جنباً غير مقصود للمتكلم في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}⁣[البقرة: ١٨٧] الآية؟ وقد يوجه كلامهم بأن هذا يقصد بالتبعية؛ فينزل منزلة غير المقصود؛ لأنه تعالى عالم بجميع ما يقع عليه ا لقول فكيف لا يكون مقصوداً له تعالى؟ وأجاب الزركشي عن هذا الإشكال بقوله: إن الله أنزل القرآن بلغة العرب، ويتصور أن العربي يأتي بلفظ عام على قصد التعميم مع ذهوله عن بعض المسميات، فكما كان هذا واقعاً في لغة العرب فكذلك الكتاب والسنة =