الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الأمر]

صفحة 302 - الجزء 1

  وإنما وجب ذلك لأنه يجب تحصيل ما أمر به الحكيم على أكمل حال، وهذا يقتضي وجوب تحصيل ما لا يتم إلا به؛ لأنا نعلم قطعا أنا لا نتمكن من الخروج عن عهدة الأمر إلا بذلك الذي يتوقف عليه، وهذا يقتضي وجوبه قطعا؛ إذ لو لم يجب لكان الآمر كأنه قال: «افعل كذا حتما، وأنت مخير في فعل ما لا يتم إلا به»، وهذا يستلزم تكليف ما لا يطاق⁣(⁣١) أو نقض الحتم، وهو لا يصدر من حكيم، فاستلزم ذلك أن الأمر بالشيء أمرٌ بما لا يتم إلا به فهذا هو المختار عند الأكثر.

  وقيل: إن الأمر بالشيء لا يقتضي وجوب ما لا يتم به مطلقا، أي: سواء كان شرطا أو غير شرط.

  وقيل⁣(⁣٢): يجب بالأمر مطلقا. قيل: ولا خفاء في أن وجوب الشرط الشرعي⁣(⁣٣) للواجب معلوم قطعا؛ إذ لا معنى لشرطيته سوى حكم الشارع أنه يجب الإتيان به عند الإتيان بذلك الواجب، فلا نزاع في ذلك، وإنما النزاع في أن الأمر بالشيء هل يكون أمرا بما لا يتم إلا به وإيجابا له أم لا؟ والله أعلم.

  (والصحيح) عند الأكثر (أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده(⁣٤))، لا في المعنى؛ لتغاير المفهومين، فإن مفهوم الأمر مضاف إلى شيء، والنهي إلى ضده، ولا في اللفظ؛ لأن صيغة الأمر «افعل»، وصيغة النهي «لا تفعل».


(١) بيان تكليف ما لا يطاق أنه لو لم يقتضِ وجوبه وجوب ما لا يتم إلا به لكان مكلفاً به في حال عدم ما لا يتم إلا به، والمفروض أنه لا يحصل على الوجه المطلوب من دونه؛ فيكون تكليفاً بالمحال.

(٢) هذا مثل كلام المصنف فيما يظهر لي والله أعلم، وفي حاشية: والفرق بين هذا القول والأول أنه على القول المختار مأمور به بالتبعية والاستلزام؛ لما كان المأمور به لا يتم إلا به. وعلى هذا القول هو مأمور به ابتداء وقصداً، كما قصد المأمور به الذي هو من تمامه. شامي.

(٣) وفي شرح الغاية ما لفظه: ولو قيل: إن الشرط الشرعي لا يجب إلا بدليل منفصل بخلاف سائر المقدمات التي يتوقف عليها الواجب فإنها تجب بوجوبه - لكان قوياً؛ فإن الشرط الشرعي لا يعرف كونه شرطاً إلا بدليل خاص يعرف وجوبه منه، بخلاف غيره من الأمور العقلية والعادية؛ لأن معرفتها لا تتوقف على تعريف من جهة الشرع؛ فكان وجوبها مستفاداً من وجوب ما تتوقف عليه بالتبعية.

(٤) لفظ شرح السيد داوود على المعيار: أي: ليس الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده ولا يتضمنه؛ أي: لا يدل عليه بالمطابقة ولا بالتضمن؛ إذ الأمر والنهي لفظان متغايران. قال في الفصول: والمختار لأئمتنا $ و بعض المعتزلة أنه يستلزمه. وقال الإمام يحيى #، وحكاه لأئمتنا $، والمعتزلة: إنه لا يستلزمه. وقال بعض المعتزلة: إنه يستلزمه في الوجوب دون الندب. ما أريد نقله.