[النهي]
  (و) النهي (يقتضي(١) مطلقه الدوام) على ترك المنهي عنه؛ وذلك لأن المطلوب بالنهي مع الإطلاق أن ألَّا يكون للمنهي عنه حالة وجود في جميع الأحوال؛ لأن «لا تفعل كذا» بمثابة: كَفَّ عن هذا الفعل، ولا معنى للكف عنه إلا أنه لا يوجده، فإذا أوجده في حال فقد خالف ولم يمتثل للنهي. بخلاف الأمر، فإن المطلوب(٢) به ثبوت المأمور به وإيجاده، فمتى وجد فقد امتثل، فتأمل! والله أعلم.
  (لا مقيدُهُ)(٣) بشرط، أو وقت، أو نحوهما، نحو: «لا تفتح بابك إن لم يكن عندك أحد» أو «ليلا»، فإن هذا لا يدل على دوام ترك المنهي عنه، بل لا يدل إلا على مرة واحدة، فيمتثل(٤) بالترك مرة عند حصول القيد، وهذه المرة تتعين في أول أحوال وجود القيد.
  وقيل: بل المقيد أيضا يقتضي الدوام كالمطلق، وهذا هو الأقرب(٥)؛ لأنه قد ثبت اقتضاؤه للتكرار مع الإطلاق(٦)، ومع التقييد أظهر، ألا ترى أنه قال بالتكرار في الأمر المقيد بمثل ذلك مَن لم يقل به في الأمر المطلق، كما تقدم.
  (و يدل) النهي (على قبح المنهي عنه)، فيكون - حينئذٍ - حقيقة في الحظر،
(١) عبارة الغاية: وحكمه الدوام والتكرار والفور. قال في القسطاس: وصيغته - أي: النهي - تخالف الأمر في أن حكمها التكرار؛ فينسحب حكمها على جميع الأزمان، والفور؛ فيجب الانتهاء في الحال.
(٢) عبارة القسطاس: والمطلوب بالأمر حصول حالة و جود وثبوتها للمأمور به، فمتى ثبتت فقد امتثل، وإن لم يكرر؛ فافترقا.
(٣) النهي قضيته الدوام ما لم يقيد بالمرة، فإن قيد بها كانت قضيته. وقيل: قضيته الدوام مطلقاً، والتقييد بالمرة يصرفه عن قضيته. جمع محلى مع تصرف. وفي الفصول ما لفظه: والمقيد بوصف نحو: العالم لا تهنه، أو شرط نحو: إن كان فاسقاً فلا تكرمه - للدوام عند أئمتنا والجمهور، كالمطلق، وأبو عبدالله والحاكم: للانتهاء مرة إلا لقرينة.
(٤) فيمتثل بترك فتح الباب مرة عند حصول ما قيد به. قسطاس.
(٥) وقول أبي عبدالله: إن السيد إذا قال لعبده: لا تخرج من بغداد إذا جاء زيد، أفاد مرة واحدة، فإذا أطلق أفاد المنع من الخروج على التأبيد هو عين محل النزاع، ودعوى مجردة لا يلتفت إليها. قسطاس.
(٦) والتقييد لا يخرجه عن وضعه، بل التكرار مع التقييد أظهر ... إلخ.