[النهي]
  دون الكراهة؛ (لا فساده)(١) أي: المنهي عنه؛ لأن معنى الفساد في الشيء: عدم ترتب ثمراته وآثاره عليه، والمعلوم أن المنهي عنه قد تترتب ثمراته وآثاره عليه، وذلك كطلاق البدعة، فإنه منهيٌّ عنه، وثمرته - وهي انفساخ النكاح - واقعة، ولو كان يقتضي الفساد لما وقعت. وكذا البيع وقت النداء للجمعة فإنه منهي عنه(٢)، وثمرته - وهي اقتضاء الملك - حاصلة، (على المختار فيهما) أي: في الطرفين جميعا، وهما كون مطلقه يقتضي الدوام لا مقيده، وكونه يدل على قبح المنهي عنه لا فساده، والله أعلم.
  * * * * *
(١) واعلم أنه لا خلاف بين أهل الأقول بأن شيئاً من النهي يدل على الفساد وشيئاً منه لا يدل عليه، وإنما خلافهم راجع إلى أصل، وهو أنه لا يدل على الفساد بوضعه وإنما يدل عليه بقرينة، أو أنه يدل عليه بوضعه ويدل عليه بقرينة. ح معيار للسيد داوود.
(*) عند أئمتنا، والقاضي، وأبي عبدالله البصري، وأبي الحسن الكرخي، أن النهي لا يقتضي الفساد في المنهي عنه مطلقاً، أي: لا في العبادات ولا في المعاملات، لا لغة ولا شرعاً؛ لما ذكره الشارح. وعند الشافعية، والظاهرية يقتضيه مطلقاً، أي: في العبادات والمعاملات، لغة وشرعاً؛ لأن العلماء لم تزل تستدل على الفساد بالنهي عن الربويات والأنكحة والبيوع وغيرها، مثل لا تأكلوا الربا، لا تنكحوا المشركات، لا تبيعوا الذهب بالذهب. الخبر. وقد أجيب عليهم بأن الدال على الفساد هو الشرع لا العقل، وأما اللغة فلا دليل فيها؛ لأن فساد الشيء - كما ذكرناه - عبارة عن سلب ترتب ثمراته وآثاره عليه، وليس في لفظ النهي ما يدل عليه لغة. ولأهل القول الثاني حجج قد أجيب عنها. وعند أبي الحسين، وابن الخطيب، والغزالي: بل يقتضيه شرعاً في العبادات، لا في المعاملات لا لغة ولا شرعاً؛ لأن الفساد حكم شرعي لا تعقله العرب، فلا يصح أن يكون مقصوداً لها في وضع النهي، وأما في الشرع فلا إشكال في صحة قصده، وقد وقع، كاستدلال العلماء بالنهي على فساد ما نهى عنه الشارع كما سبق. قلنا: إنما يصح هذا دليلاً لو أجمعوا عليه، ولم ينقل إجماع، واستدلال بعضهم لا يفيد؛ لجواز كونه مذهباً له. ح السيد داود على المعيار.
(٢) وكذلك قوله ÷: «لا يبيعنّ حاضر لبادٍ»، ونحوه كثير. ح معيار للسيد داود.