الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المخصصات المنفصلة]

صفحة 331 - الجزء 1

  أما الكتاب والسنة فقد اختلف في تخصيص بعضها ببعض (والمختار) عند الأكثر من العلماء (أنه يجوز تخصيص كل من الكتاب والسنة بمثله)، أي: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب، والسنة بالسنة.

  أما الكتاب بالكتاب فقد قيل: إنه إجماع. وقيل: بل منعه بعض الظاهرية⁣(⁣١).

  لنا: وقوعه كثيرا، من ذلك قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}⁣[الطلاق ٤]، فإنه مخصِّص لقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}⁣[البقرة ٢٣٤]؛ لأن هذا عام للحاملات وغيرهن، فخصص الحاملات بالأول، لأن عدتهن ليست بالأشهر فقط، بل بها مع الوضع، فأ يهما تقدم لم يحكم به، بل ينتظر الآخر. ونحو ذلك كثير. وأيضا قال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل ٨٩]، والقرآن شيء، والتخصيص نوع بيان، فيبين نفسه، ولا مانع.

  وأما السنة بالسنة فالمختار أنه يجوز⁣(⁣٢)؛ إذ قد وقع، وهو دليل الجواز، وذلك في قوله ÷: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة»، فإنه مخصص لقوله: «فيما سقت السماء العشر» لأن هذا يتناول ما دون خمسة أوسق وقد خرج بالأول.


(١) بل يصح عنده التخصيص بالسنة، لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}⁣[النحل ٤٤]، ففوض البيان إلى رسول الله ÷.

(*) وفي القسطاس ما لفظه: لنا لو لم يجز لم يقع، وقد وقع كثيراً، منه قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}⁣[الطلاق ٥]، فإنه مخصص لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}⁣[البقرة ٢٣٤]، أما عند الشافعي فظاهر؛ لأن عدة الحامل عنده تنقضي بالوضع تعجل أو تأخر، وأما على المذهب فلأن الحامل خارجة عن عموم آية الاعتداد بالأشهر في بعض الأحوال، وهو حيث تضع لفوق أربعة أشهر وعشر، هكذا قيل، وقد ينازع في تيقن كونه ليس من باب النسخ، قالوا: لو كان الكتاب مخصصاً لكان مخالفاً لقوله تعالى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}⁣[النحل ٤٤]؛ إذ التخصيص تبيين فيكون المبين حينئذٍ هو الكتاب لا الرسول ÷؛ فيلزم وقوع نقيض ما نطق به القرآن، وأنه محال. قلنا: إنه معارض بقوله تعالى في صفة القرآن: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل ٨٩]، والكتاب شيء فيجب أن يتناوله. والحق أن الكل ورد بلسانه، فكان هو المبين تارة بالقرآن، وتارة بالسنة؛ فلا مخالفة ولا تعارض.

(٢) سواء كانت قولاً، أو فعلاً، أو تقريراً.