الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الباب العاشر: الترجيح]

صفحة 423 - الجزء 1

[الباب العاشر: الترجيح]

  (البَابُ الْعَاشِرُ) من أبواب الكتاب (فِي التَّرْجِيْحِ) بين الأمارات العقلية والنقلية، ويلحق به بيان الحدود، وترجيح السمعية منها بعضها على بعض⁣(⁣١)، كما يأتي في الخاتمة إن شاء الله تعالى.

  (وَهْوَ) - أي: الترجيح - في اللغة: جعل الشيء راجحا. وفي الاصطلاح: (اقْتِرَانُ(⁣٢) الأَمَارَةِ بَمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضَتِهَا(⁣٣)) أي: أمارة أخرى تعارضها. ومعنى المعارضة: أن تقتضي كل واحدة منهما خلافَ ما تقتضيه الأخرى. فإذا حصل اقتران إحدى الأمارتين بما تقوى به على المعارضة لها كان سببا لترجيحها عليها؛ إذ لا يمكن ترجيح إحداهما تحكما، بل لا بد من مرجح.

  (فَيَجِبُ) حينئذ (تَقدِيمُهَا) أي: الأمارة المقترنة بما تقوى به على الأخرى، والعملُ بها، واطِّراحُ الأخرى. وإنما وجب ذلك (لِلْقَطعِ عَنِ السَّلَفِ) الماضين الحوادث التي تتعارض فيها الأمارات وجدهم يقدمون الأرجح منها قطعا، فكان ذلك دليلا على وجوب الترجيح؛ لتضمنه الإجماع، والله أعلم.


(١) والكلام في ترجيح الحدود وإن كان خليقاً بالتقديم على الكلام في ترجيح الأدلة الظنية؛ لأن الأول يوصل إلى التصور، والثاني إلى التصديق، والتصور مقدم على التصديق طبعاً فليقدم عليه وضعاً، لكن لمّا كان الغرض الأهم في هذا الفن هو الكلام على ترجيحات الأدلة - لكونها أكثر في المباحثات الفقهية من الحدود، وأشد حاجة - قدم الكلام فيها. شرح غاية.

(٢) في الغاية وشرحها ما لفظه: (هو تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى؛ لاقترانها) أي: إحدى الأمارتين (بسببها) أي: بسبب التقوية، وهو وجود فضل في إحداهما.

(٣) وهذا التعريف هو المذكور في مختصر المنتهى، قال في شرح الرفو ما لفظه: ولا محالة تكون معارضتها أمارة أخرى، وإنما قلنا: «بما تقوى به» لأنها لو اقترنت بما لا مدخل له في التقوية كالتشبيه مثلاً لم يكن ذلك الإقتران ترجيحاً، وإنما قلنا: «على معارضتها» لأنها لو اقترنت بما تقوى به على ما يوافقها في الاقتضاء ككون أحد الخبرين مشهوراً، والآخر غريباً موافقاً له، وككون أحد القياسين المتفقين في الدلالة مسلك علّيّته السبر والتقسيم، والآخر مسلك علّيّته المناسبة - لم يكن ذلك ترجيحاً.

(*) قال صاحب القسطاس: الاقتران هو سبب الترجيح، وهو المسمى بالترجيح في اصطلاح القوم، لا جرم عرفناه بأنه اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضتها.