الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الدليل الثاني: السنة]

صفحة 81 - الجزء 1

  واعلم أن شروط التواتر - أي: ما يوصف الخبر بأنه متواتر معها، بحيث لو اختل أحدها لم يكن متواتراً - أمور: منها ما يرجع إلى المخبرين، ومنها ما يرجع إلى السامعين⁣(⁣١).

  أما ما يرجع إلى المخبرين:

  فمنها: أن يبلغ عددهم مبلغاً يمتنع - بحسب العادة - تواطؤهم على الكذب⁣(⁣٢)، وذلك يختلف باختلاف المخبرين والوقائع والقرائن.

  ومنها: أن يكونوا مستندين إلى إحدى الحواس⁣(⁣٣)، كالإخبار عن البلدان، والأصوات، والمطعومات، والمشمومات. فأمَّا ما لم يستندوا فيه إلى ذلك، نحو الإخبار عن حدوث العالم، أو أن الله تعالى قادرٌ، أو ليس بجسم، أو نحو ذلك من المعقولات - فإنه لا يفيد العلم قطعًا⁣(⁣٤).


(١) ثلاثة راجعة إلى المخبرين، وواحد إلى السامعين.

(٢) من قليل أو كثير، ما لم ينقص عن خمسة عند أئمتنا $ والشافعية والباقلاني؛ لأنهم قطعوا بنقص الأربعة. قلت: ظاهر المختصر يقضي بتجويز حصول العلم بالثلاثة؛ لأنه اعتبر الجماعة مع إفادة العلم، وأقل الجماعة ثلاثة على الأشهر، وذلك محتمل للنظر. ح. قوله: «لأنهم قطعوا ..» الخ قال في المعيار: الأكثر: وأقل من يجوز حصوله بخبرهم خمسة. قال السيد داود في شرحه: ولا يحصل بأربعة، وإلا لحصل بقول شهود الزنا، فلا يحتاج إلى التزكية. ولا يقال: كما تجب التزكية في الأربعة من شهود الزنا تجب في الخمسة، ولا وجه للفرق؛ لأنا نقول: إن الخمسة قد تفيد العلم فلا تجب التزكية. باللفظ.

(*) [عادة] لأجل أحوالهم من كثرة وغيرها (**)، لا لمجرد الكثرة، فما من عدد إلا ويمكن منهم التواطؤ، ألا ترى أن عائشة لما مرت بالحوأب نبحتها كلابها في مخرجها على أمير المؤمنين # فهمت بالرجوع، لأجل خبر ذكره لها رسول الله ÷، فتمالأ عبد الله بن الزبير في أربعين رجلا من خيار العسكر على الشهادة أنه ليس الحوأب بالحاء، وإنما هو بالجيم، وهو أول شهادة زور وقعت في الإسلام، ولا شك أن الأربعين عدد كثير، وأن خبرهم تواتري حيث لم يكونوا على حال يجوز في مثلها التواطؤ والامتناع.

(**) - نحو: أن يكونوا في جهات شتى، وألَّا يجتمعوا قبل تأدية الخبر، مع القطع بأنه لا غرض لهم فيما أخبروا به. ح معيار.

(٣) الحواس الظاهرة خمس، والباطنة خمس، قال الناظم:

خيالٌ، ثم وهمٌ، ثم فكرٌ ... وذكر، ثم حفظ، فهي خمس

وسمع، ثم إبصار، وشمٌ ... وذوقٌ، ثم خامسهن لمس

(٤) فالمفيد للعلم هو الدليل العقلي، لا إخبار المخبرين.