{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15 فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل 16 ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور 17}
  {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢٠}[سبأ]، نعم، يحس الإنسان بوجدانه إذا فرَّغ قلبه من الشواغل وجمع همته عندما يشرف على قصة سبأ وأهلها وما حكى الله عنهم وأخبرنا - جلت عظمته - في شأنهم أنه قدم من أرض قاحلة وديار مجدبة وإذا به قد أشرف على أرض لم يجد لها في دياره وفي أرض الله مثيلاً أشرف ببصره على أشجار ملتفة ومختلفة وفيها من جميع الأثمار اليانعة والأرياح الطيبة النافحة، تتخللها سواقي المياه العذبة والعيون النابعة، قد عمها نسيم الصباح في جميع أوقاتهم، تختلف أجسامهم وصورهم عن بقية سكان البلاد والناظر إليهم المتأمل لأحوالهم يقول: هؤلاء أولاد الملوك حقاً، بلدتهم شبيهة البنت الحسناء في بيت الكريم حسينة الخلق، وخُطّابها يفدون من كل ناحية بل من كل فج عميق، وإذا غاص بفطنته متخللاً أبوابهم حتى حضر موائدهم الشهية وقد حفت بالفواكه والأشربة المختلفة الهنية، في قصور تنافسوا في بنيانها ودفعوا الأموال الطائلة في عمرانها، دوابهم تختلف عن بقية الدواب قال: هؤلاء أهل جنة الله في أرضه أو تحت جنته في سمائه، فإذا استكمل بقية قصتهم وما آلوا إليه خرب ما كان قد بناه وعاد طرفه إليه حسيراً لا يدري كيف يعبر عن حالهم هل يعبر عنهم بحال من قتل نفساً بغير نفس فترك دياره وأولاده ومجتمعه وأحبابه وهاجر من وطنه إلى غير رجعة، أم يعبر عنهم بحال غني كان يبني ما أراد من القصور ويتزوج بمن شاء من