[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
  أهلها على قدر همتهم وإقبالهم، بينما بلدة أخرى محرومة من الإرشاد ينظر إليها الناظر ويقول: هؤلاء أموات الأحياء.
  فالسعيد - والله العظيم - من تسبب للعلم والإرشاد بأن يصل إلى بلده فهو بذلك العمل وبتلك العزيمة من دعاة الدين الذين قال الله فيهم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٣٣}[فصلت]؛ لأن الإرشاد أقوى سبب في أداء الواجبات واجتناب المحرمات، ولا يقود الإرشاد إلى بلده ويوصله إلى مجتمعه إلا أزكاهم عقلاً وأكرمهم نفساً، وأسعدهم حظاً، قد حضي من الله بتوفيق وسداد وهداية ورشاد؛ لأن الإرشاد والعلم عافية من أمراض الجهل القاتلة وخلاص من حبائل الشيطان العالقة.
  فالبلد التي ليس فيها إرشاد ولا منها طلبة علم إذا نظر الناظر في أحوالهم تذكر قول أمير المؤمنين في أصحاب القبور: (جميع وهم آحاد)، قد ملئت قلوبهم ضغائن وأحقاد، لا يرعون لله حرمة في ضعفائهم، ويقطعون أرحامهم، أنصار لكل فاجر، وأعوان لكل غادر، يجرعونهم الظلمة مرارة الإهانة، يستبيحون حرمهم، ويأكلون أموالهم، يزوجون بناتهم على غير رضا خوفاً من سطوات المجرمين.
  فلا حياة طيبة وعيشة هنية إلا بالعلم والمعرفة، غير أنه لا بد من العمل المجهد حتى يعرف الناس قدر العلم والمعرفة ويقبلوا على مدارس العلم، مَثَلُ من يريد تأسيس مدرسة علمية في بلده وبين مجتمعه كمن يقوم للزراعة من بداية أمره لا بد أن يتعب ويخسر سنين حتى يحصل على مكاسب الأثمار، وتعود عليه بالفوائد،