شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الخامس: ما ركب كذلك من الأحوال

صفحة 111 - الجزء 1

  وجب الرجوع إلى الإعراب، وإنما قدّمت الظروف على الأحوال لأن ذلك في الظروف أكثر وقوعا؛ فكان أولى بالتقديم.

  فإن قلت: قد وقع التركيب المذكور فيما ليس بظرف ولا حال، كقولهم: «وقعوا في حيص بيص» أي في شدّة يعسر التخلّص منها⁣(⁣١).

  قلت: هو شاذ، فلذلك لم أتعرض لذكره في هذا المختصر.

  ولم يقع في التنزيل تركيب الأحوال ولا تركيب الظروف، وإنما وقع فيه تركيب الأعداد، نحو: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً}⁣[يوسف، الآية ٤] {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً}⁣[البقرة - ٦٠] {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ}⁣[المدثر، ٣٠] أي: على سقر تسعة عشر ملكا يحفظون أمرها، وقيل: صنفا وقيل: صفّا من الملائكة، وقرئ: {تِسْعَةَ عَشَرَ} جمع عشير، مثل: أيمن في جمع يمين، وعلى هذا فتسعة مرفوع، وأعشر مخفوض بالإضافة منوّن.

  ومجيء هذا التركيب في الأحوال قليل بالنسبة إلى مجيئه في الظروف.


الشّاهد فيه: قوله «يوم يوم» حيث أجرى لفظ «يوم» الأول على ما تقتضيه العوامل فرفعه بالابتداء، وأضافه إلى «يوم» الثاني، فجره بالإضافة، وذلك لأنه لم يرد بهما الظرفية، قال سيبويه: «والعرب لا تجعل شيئا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحد إلا في حال الحال أو الظرف» اه؛ ثم قال بعد ذلك: «وهذا قول جميع من نثق بعلمه وروايته عن العرب، ولا أعلمه إلا قول الخليل» اه.


(١) تقول: «وقع القوم في حيص بيص» بفتح أولهما وآخرهما وبكسر أولهما وفتح آخرهما، وبفتح أولهما وكسر آخرهما - فأما معنى هذه العبارة فمن العلماء من قال: معناها وقعوا في شدة وضيق يعسر عليهم التخلص منهما، ومنهم من قال: معناها وقعوا في اختلاط وهرج لا مخرج لهم منهما، وفي حديث سعيد بن جبير، وقد سئل عن المكاتب إذا اشترط عليه أهله ألا يخرج من بلده؛ فقال: «أثقلتم ظهره، وجعلتم الأرض عليه حيص بيص» وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي:

قد كنت خرّاجا ولوجا صيرفا ... لم تلتحصني حيص بيص لحاص

وأما إعراب هذه العبارة فاللغتان الأولى والثانية على ما ذكر المؤلف، والكلمتان فيهما مبنيتان على فتح الجزأين؛ وعلى اللغة الثالثة كل كلمة من الكلمتين مبنية على الكسر.