شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الخامس: اسم كان وأخواتها، وهن على ثلاثة أنواع

صفحة 214 - الجزء 1

  وأقول: الخامس من المرفوعات: اسم كان وأخواتها الاثنتي عشرة المذكورة، فإنهن يدخلن على المبتدأ والخبر، فيرفعن المبتدأ، ويسمى اسمهن حقيقة، وفاعلهن مجازا، وينصبن الخبر، ويسمى خبرهن حقيقة، ومفعولهن مجازا.

  ثم هنّ في ذلك على ثلاثة أقسام:

  (١) ما يعمل هذا العمل بلا شرط، وهي ثمانية: كان وليس وما بينهما.

  (٢) وما يشترط أن يتقدم عليه نفي أو شبهه - وهو النهي والدعاء - وهي أربعة: زال، وبرح، وفتئ، وانفكّ، نحو {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ}⁣[هود - ١١٨] {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ}⁣[طه، ٩١] وتقول: «لا تزل ذاكر الله» و «لا برح ربعك مأنوسا»، و «لا زال جنابك محروسا» ويشترط في «زال» شرط آخر، وهو أن يكون ماضي يزال؛ فإن ماضي يزول فعل تامّ قاصر بمعنى الذهاب والانتقال، نحو: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}⁣[فاطر، ٤١]، و «إن» الأولى في الآية شرطية، والثانية نافية، وماضي يزيل فعل تام متعدّ بمعنى ماز يميز، يقال: زال زيد ضأنه من معز فلان: أي ميّزه منه.

  (٣) وما يشترط أن يتقدم عليه «ما» المصدرية النائبة عن ظرف الزمان⁣(⁣١) وهو «دام» وإلى ذلك أشرت بالتمثيل بالآية الكريمة، كقوله سبحانه وتعالى: {وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا}⁣[مريم - ٣١] أي مدّة دوامي حيّا؛ فلو قلت: «دام زيد


(١) تسمى «ما» هذه المصدرية الوقتية؛ أما وجه تسميتها بالمصدرية فلأنها تؤول مع صلتها بمصدر، وهو الدوام، وأما تسميتها بالوقتية فلنيابتها مع صلتها عن الوقت، وهو المدة، وهي تفيد توقيت دوام ثبوت الخبر للمبتدأ بمدة.

ومما ينبغي أن تتنبه له أن «ما» كلما كانت وقتية فهي مصدرية ألبتة، ولا يلزم من أن تكون مصدرية أن تكون وقتية، بل قد تكون مصدرية فقط، نحو مثال الشارح، ونحو قول الشاعر:

يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ... وكان ذهابهنّ له ذهابا

ومما ينبغي أن تتنبه له أيضا أنه لا يلزم من وجود «ما» المصدرية الظرفية قبل «دام» وجوب إعمال «دام» عمل كان، بل قد تدخل «ما» هذه على «دام» ولا تعمل لكون دام تامة، لا ناقصة، وذلك كما في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ}⁣[سورة هود، ١٠٨]، ولكن المراد هنا أنه لا يجوز أن تعمل «دام» عمل كان إلا إذا سبقتها «ما» المصدرية الظرفية، فكلما كانت دام عاملة عمل كان فإن «ما» المصدرية الوقتية تكون سابقة عليها.