أولها «ما» في لغة الحجازيين، ولإعمالها عندهم أربعة شروط
  لاقتران الاسم بإن، ولا في نحو قوله سبحانه: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}[آل عمران، ١٤٤]، {وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ}[القمر، ٥٠] لاقتران الخبر بإلّا، ولا في نحو قولهم في المثل «ما مسيء من أعتب»(١) لتقدم خبرها، ولا في نحو قوله:
مضاف إليه، «ما» نافية «إن» زائدة، «أنتم» ضمير منفصل مبتدأ، «ذهب» خبر المبتدأ، «ولا» الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي «صريف» معطوف بالواو على ذهب، «ولكن» الواو عاطفة، ولكن: حرف استدراك، «أنتم» ضمير منفصل مبتدأ، «الخزف» خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة بالواو على جملة المبتدأ والخبر السابقة.
الشّاهد فيه: قوله «ما إن أنتم ذهب» فإن «ما» هذه نافية، وقد وقع بعدها «إن» وإن هذه تحتمل أن تكون زائدة لا تدل على شيء سوى مجرد التوكيد، وتحتمل أن تكون دالة على النفي، وهذا النفي يجوز أن يكون لتأكيد النفي المستفاد أولا من ما، كما يجوز أن يكون نفيا للنفي المستفاد من ما فيكون الكلام دالا على إثبات كونهم ذهبا أو فضة، فإذا اعتبرت «إن» هذه زائدة أبطلت عمل ما؛ فرفعت بعدها المبتدأ والخبر، وإن اعتبرت «إن» هذه نافية: فإما أن تجعلها مؤكدة للنفي المستفاد من «ما» من باب التوكيد اللفظي بإعادة اللفظ الأول بمرادفه في المعنى، نحو قولك: «نعم جير» وإما أن تجعلها نافية لنفي «ما» فيكون ما بعدها مثبتا؛ لأن نفي النفي إثبات؛ فعلى الثاني يبطل عمل «ما» أيضا؛ لأن من شروط العمل بقاء النفي، وعلى الأول تعملها.
وقد وردت الرواية في هذا البيت بنصب «ذهب» وبرفعه؛ فتخرج رواية نصبه على وجه واحد، هو جعل «إن» نافية مؤكدة لنفي «ما» وتخرج رواية رفعه على أحد وجهين: إما على جعل «إن» زائدة، وإما على جعلها نافية للنفي الذي أفادته ما، غير أن المعنى المقصود لقائل هذا البيت لا يلتئم مع هذا الوجه الأخير، فافهم ذلك كله.
ثم اعلم أن المؤلف راعى أشهر الروايتين، واعتبر «إن» زائدة؛ فقضى عليك بإهمال «ما»، فاعرفه أيضا.
ومثله قول فروة بن مسيك المرادي، وهو من شواهد سيبويه (١/ ٤٧٥) والكامل للمبرد (١/ ٢٠٠):
وما إن طبّنا جبن، ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
(١) هذا مثل من أمثال العرب، ومسيء: اسم فاعل من الإساءة، وهو خبر مقدم، وأعتب: أي أتى بما يزيل العتاب ويذهبه بفعل ما يرضى العاتب، ومن: اسم موصول مبتدأ مؤخر، وجملة «أعتب» صلة.