شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

قد يضمر عامل المفعول به جوازا أو وجوبا، في مواضع: منها باب الاشتغال

صفحة 241 - الجزء 1

  ولما أنهيت القول في المرفوعات شرعت في المنصوبات فقلت:

  باب، المنصوبات خمسة عشر: أحدها المفعول به، وهو: ما وقع عليه فعل الفاعل، ك «ضربت زيدا».

  وأقول: المنصوبات محصورة في خمسة عشر نوعا، وبدأت منها بالمفاعيل لأنها الأصل، وغيرها محمول عليها ومشبّه بها، وبدأت من المفاعيل بالمفعول به كما فعل الفارسيّ وجماعة منهم صاحبا المقرب والتسهيل، لا بالمفعول المطلق كما فعل الزمخشريّ وابن الحاجب، ووجه ما اخترناه أن المفعول به أحوج إلى الإعراب؛ لأنه الذي يقع بينه وبين الفاعل الالتباس.

  والمراد بالوقوع التعلّق المعنوي، لا المباشرة، أعني تعلقه بما لا يعقل إلا به، ولذلك لم يكن إلا للفعل المتعدّي، ولو لا هذا التفسير لخرج منه نحو: «أردت السّفر» لعدم المباشرة، وخرج بقولنا «ما وقع عليه» المفعول المطلق، فإنه نفس الفعل الواقع، والظرف، فإن الفعل يقع فيه، والمفعول له، فإن الفعل يقع لأجله، والمفعول معه، فإن الفعل يقع معه لا عليه.

  ثم قلت: ومنه ما أضمر عامله: جوازا نحو: {قالُوا خَيْراً} ووجوبا في مواضع منها باب الاشتغال نحو: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ.}


عضدا استساغ لنفسه أن يسكن وسطها، كما يسكن وسط عضد، وهذا بيان كلام المؤلف فافهمه.

هذا وقد روى أبو العباس المبرد في الكامل (ج ١ ص ١٤٣) بيت الشاهد على وجه غير الوجه الذي يرويه النحاة عليه، ولا يتحقق فيه شيء مما ذكروه، وهذا الوجه هو:

حلّت لي الخمر وكنت امرأ ... عن شربها في شغل شاغل

فاليوم أسقى غير مستحقب ... إثما من الله، ولا واغل

وربما كانت إحدى الروايتين مصنوعة؛ إذ يحتمل أن أحد النحاة جاء برواية «أشرب غير مستحقب» ليستدل على أن من العرب من لا يلتزم حركات الإعراب المقررة حين يضطر إلى تركها لإقامة وزن، ويحتمل أن بعض الرواة جاء برواية «أسقى غير مستحقب» ليصلح من فساد البيت؛ ليدل على أن العرب لا يتكلمون إلا بالصحيح.