شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الأول: المفعول به

صفحة 243 - الجزء 1

  هذا رأي الجمهور، وزعم الكسائي أن نصب المتقدم بالعامل المؤخر على إلغاء العائد، وقال الفراء: الفعل عامل في الظاهر المتقدم وفي الضمير المتأخر.

  وردّ على الفراء بأن الفعل الذي يتعدى لواحد يصير متعديا لاثنين، وعلى الكسائي بأن الشاغل قد يكون غير ضمير السابق، ك «ضربت غلامه»، فلا يستقيم إلغاؤه.

  ثم قلت: ومنه المنادى، وإنّما يظهر نصبه إذا كان مضافا أو شبهه أو نكرة مجهولة، نحو: «يا عبد الله» و «يا طالعا جبلا» وقول الأعمى: «يا رجلا خذ بيدي».

  وأقول: المنادى نوع من أنواع المفعول به، وله أحكام تخصه فلهذا أفردته بالذكر، وبيان كونه مفعولا به أن قولك «يا عبد الله» أصله يا أدعو عبد الله، ف «يا» حرف تنبيه، و «أدعو» فعل مضارع قصد به الإنشاء لا الإخبار، وفاعله مستتر، و «عبد الله» مفعول به ومضاف إليه، ولما علموا أن الضرورة داعية إلى استعمال النداء كثيرا أوجبوا فيه حذف الفعل اكتفاء بأمرين:

  أحدهما: دلالة قرينة الحال.

  والثاني: الاستغناء بما جعلوه كالنائب عنه والقائم مقامه وهو «يا» وأخواتها.

  وقد تبيّن بهذا أن حقّ المناديات كلها أن تكون منصوبة؛ لأنها مفعولات، ولكن النصب إنما يظهر إذا لم يكن المنادى مبنيّا، وإنما يكون مبنيّا إذا أشبه الضمير بكونه مفردا معرفة؛ فإنه حينئذ يبنى على الضمة أو نائبها، نحو: «يا زيد» و «يا زيدان» و «يا زيدون»، وأما المضاف والشبيه بالمضاف والنكرة غير المقصودة فإنهن يستوجبن ظهور النصب، وقد مضى ذلك كله مشروحا ممثلا في باب البناء، فمن أحبّ الوقوف عليه فليرجع إليه.

  ثم قلت: والمنصوب بأخصّ بعد ضمير متكلّم، ويكون بأل نحو «نحن العرب أقرى النّاس للضّيف» ومضافا نحو: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة» و «إيّا» فيلزمها ما يلزمها في النّداء، نحو: «أنا أفعل كذا أيّها الرّجل» وعلما قليلا؛ فنحو «بك الله نرجو الفضل» شاذّ من وجهين.