يجب نصب المستثنى في خمس مسائل
  فإن قلت: فأين اسمها؟
  قلت: مستتر فيهما وجوبا، وهو عائد على البعض المفهوم من الكل السابق، وكأنه قيل: ليس بعضهم زيدا، ولا يكون بعضهم زيدا، ومثله قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}[النساء، ١١] أي: فإن كانت البنات، وذلك لأن الأولاد قد تقدم ذكرهم، وهم شاملون للذكور والإناث، فكأنه قيل أولا: يوصيكم الله في بنيكم وبناتكم، ثم قيل: فإن كنّ، وكذلك هنا(١).
  الثالثة: أن تكون الأداة «ما خلا» كقولك: جاء القوم ما خلا زيدا، وقول لبيد بن ربيعة العامري الصحابي:
  ١٢٢ - ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل ... وكلّ نعيم لا محالة زائل
الشّاهد فيه: قوله «من سيد» فإن دخول من في هذه العبارة يدل على أن النكرة الواقعة بعدها تمييز، لا حال؛ إذ كان التمييز هو الذي يكون على معنى من، وأما الحال فهو على معنى في؛ فيكون قول من قال إن «جارة» في البيت السابق حال باطلا.
١٢٢ - هذا بيت من الطويل من كلام لبيد بن ربيعة العامري، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٢٦٧) وفي القطر (رقم ١١).
(١) اعلم أولا أنه لا خلاف بين النحويين في أن المستثنى بليس ولا يكون واجب النصب، ولا في أن هذا المنصوب خبرهما، ولا في أن اسمهما واجب الاستتار؛ ليكون ما بعدهما في صورة المستثنى بعد إلا، ولأنه لو برز لكان ضميرا منفصلا فيقع بعد أداة الاستثناء ويفصل به بين الأداة الضعيفة وبين المستثنى بها، وذلك لا يجوز، فالإجماع منعقد على هذه الأمور الثلاثة، والخلاف بينهم في مرجع هذا الضمير؛ فالجمهور على أنه يعود على البعض المفهوم من كله السابق على ما بينه الشارح، وهذا هو الصحيح، ومن العلماء من قال: الضمير عائد على الوصف المفهوم من الفعل السابق؛ فإذا قلت «قام القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام: قام القوم ليس هو - أي القائم - زيدا، وإذا قلت «أكرمت القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام: أكرمت القوم ليس هو - أي المكرم - زيدا؛ فالقائم اسم فاعل فهم من قام السابق، والمكرم اسم مفعول فهم من أكرمت السابق، وقال بعضهم: الضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق، والفعل في هذه العبارة هو المصدر؛ فإذا قلت «قام القوم ليس زيدا» فتقدير الكلام: قام القوم ليس هو - أي الفعل - فعل زيد، أي ليس القيام قيام زيد - وقد حذف المضاف قبل المستثنى، وهذان الرأيان ضعيفان؛ لهذا لم يتعرض الشارح لهما.