شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

العاشر من المنصوبات: خبر كان وأخواتها

صفحة 291 - الجزء 1

  أحدها: ما يجب اقترانه بها⁣(⁣١)، وهو حرى واخلولق، تقول: «حرى زيد أن يفعل» و «اخلولقت السماء أن تمطر» ولا أعرف من ذكر «حرى» من النحويين غير ابن مالك، وتوهّم أبو حيّان أنه وهم فيها، وإنما هي حرى بالتنوين اسما لا فعلا، وأبو حيان هو الواهم، بل ذكرها أصحاب كتب الأفعال من اللّغويين، كالسّرقسطيّ، وابن طريف، وأنشدوا عليها شعرا، وهو قول الأعشى:

  ١٢٦ - إن يقل هنّ من بني عبد شمس ... فحرى أن يكون ذاك، وكانا


يعم المستثنى وغيره؛ فيصبح استثناء متصلا، فكأنه قال: ليس بها شيء إلا اليعافير وإلا العيس، أو يتوسع في المستثنى حتى يجعل من جنس الأنيس: أي ما يؤنس به، فيكون الاستثناء متصلا أيضا، والمقصود أنه يجعل هذا ونحوه من نوع الاستثناء المتصل: إما بالتجوز في المستثنى منه، وإما بالتجوز في المستثنى، وهذا ميل إلى استبعاد مجيء المستثنى المنقطع فافهم ذلك وتدبره، والله يعصمك.

١٢٦ - هذا بيت من الخفيف، وقد نسبه المؤلف إلى الأعشى، والظاهر أنه يريد الأعشى ميمون تبعا لجماعة، والبيت ليس مما ثبت روايته عن الأعشى، ولذلك لا تجده في ديوانه الذي شرحه أبو العباس ثعلب.

الإعراب: «إن» شرطية، «يقل» فعل مضارع مجزوم فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه، «هن» ضمير منفصل مبتدأ، «من بني» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ خبره في محل نصب مقول القول، وبني مضاف و «عبد» مضاف إليه، وعبد


(١) ههنا أمران؛ الأول: أن تعرف لماذا كان خبر هذين الفعلين واجب الاقتران بأن المصدرية، وجواب ذلك أن نقول لك: إن هذين الفعلين يدلان على رجاء المتكلم وقوع خبرهما، والفعل المرجو - وهو هنا الخبر - لا يكون حصوله في زمن التكلم، وإلا لما ترجى المتكلم حصوله، وإنما يتراخى حصوله عن وقت الكلام، والأصل في الفعل المضارع كونه صالحا للحال وللاستقبال؛ فاحتيج إلى أن تقترن به أن المصدرية التي تمحضه للاستقبال؛ لكي يتطابق زمنه مع زمن وقوعه بالنظر إلى كونه مرجو الحصول.

وأما الأمر الثاني فهو: أن المصدر الذي ينسبك من الفعل المضارع وأن المصدرية اسم حدث، وأسماء هذين الفعلين قد تكون أسماء من أسماء الذوات، كالمثالين اللذين مثل بهما المؤلف؛ فينتج عن ذلك أن يقع الاسم الدالّ على الحدث خبرا عن اسم دالّ على ذات، وقد سبق للمؤلف أن بين أن ذلك لا يصح إلا على تأويل، ونحن نجيب على ذلك بأن الكلام ههنا على تأويل، وذلك بواحد من ثلاثة أوجه: أولها أن نقدر مضافا هو اسم معنى قبل اسم هذين الفعلين؛ فنحو «حرى زيد أن يفعل» يصير تأويله: حرى أمر زيد الفعل، وثانيهما أن نقدر مضافا هو اسم ذات قبل الخبر، فيصير تأويل هذا المثال: حرى زيد صاحب الفعل. والثالث: ألا نقدر مضافا لا قبل الاسم ولا قبل الخبر؛ ولكن نقصد المبالغة؛ فكأنك بالغت في زيد حتى جعلته نفس الفعل، وبالغت في السماء حتى جعلته نفس الإمطار.