شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الثاني: اللام، وهي على أربعة أقسام

صفحة 316 - الجزء 1

  مُوسى}⁣[طه، ٩١] وليس النصب بحتى نفسها، خلافا للكوفيين، ولا يجوز إظهار أن بعدها في شعر ولا نثر⁣(⁣١).

  ويشترط لإضمار أن بعدها: أن يكون الفعل مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها، سواء كان مستقبلا بالنظر إلى زمن التكلم، أو لا؛ فالأول كقوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى}⁣[طه، ٩١] ألا ترى أن رجوع موسى # مستقبل بالنظر إلى ما قبل حتى، وهو ملازمتهم للعكوف على عبادة العجل، وكذلك قولك: (أسلمت حتى أدخل الجنة) والثاني كقوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}⁣[البقرة، ٢١٤] في قراءة من نصب (يقول) فإن قول الرسول والمؤمنين مستقبل بالنظر إلى الزّلزال، لا بالنظر إلى زمن الإخبار، فإن الله ø قصّ علينا ذلك بعد ما وقع.

  ولو لم يكن الفعل الذي بعد «حتى» مستقبلا بأحد الاعتبارين امتنع إضمار أن، وتعين الرفع، وذلك كقولك «سرت حتى أدخلها» إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، ومن ذلك قولهم: «شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه» و «مرض زيد حتى لا يرجونه» فإن المعنى حتى حالة البعير أنه يجيء يجر بطنه وحتى حالة المريض أنهم لا يرجونه، ومن الواضح فيه أنك تقول: «سألت عن هذه المسألة حتى لا أحتاج إلى السّؤال» أي: حتى حالتي الآن أنني لا أحتاج إلى السؤال عنها.

  وأما اللام فلها أربعة أقسام:

  أحدها: اللام التعليلية، نحو: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}⁣[النحل - ٤٤] ومنه: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ١ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ}⁣[الفتح، ١ و ٢].

  فإن قلت: ليس فتح مكة علة للمغفرة.


(١) اعلم أن «حتى» التي ينتصب الفعل المضارع بعدها لها معنيان: الأول التعليل، وهذا إذا كان ما قبلها علة لما بعدها، والمراد بالعلة في هذا الموضع الأمر الذي يفضي ويؤدي إلى آخر، ونحو قولك: أسلم حتى تدخل الجنة، وقولك: ذاكر حتى تنجح، وقولك: اصدق حتى يثق بك الناس، ألا ترى أن الإسلام يؤدي إلى دخول الجنة والمذاكرة تؤدي إلى النجاح والصدق يؤدي إلى ثقة الناس بالصادق؟ والثاني من معنيي حتى الغاية، وذلك إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها: أي أن ما قبلها لا ينقطع إلا عند حصول ما بعدها، نحو قولك: لأسيرن حتى تطلع الشمس، ولأذاكرن حتى أتقن الدرس، ولأد أبن على العمل حتى أدرك غاية الأمل، والآية الأولى من الآيتين الكريمتين تحتمل حتى فيها كل واحد من المعنيين، أما الآية الثانية فحتى فيها للغاية ليس غير.