يجوز حذف «رب» وبقاء عملها
  وأقول: لما ذكرت أن «ربّ» تدخل على المنكّر بينت أنه يجوز حذفها معه، وأشرت بهذا التقييد إلى أنها لا يجوز حذفها إذا دخلت على ضمير الغيبة، ثم بينت أنها إذا حذفت وجب بقاء عملها، وأن هذا الحكم - أعني حذفها وبقاء عملها - على نوعين: كثير، وقليل؛ فالكثير بعد الواو، كقوله:
  ١٥٩ - وبلد مغبرّة أرجاؤه ... كأنّ لون أرضه سماؤه
  وقال:
  ١٦٠ - وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
١٥٩ - هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، من كلام رؤبة بن العجاج، التميمي، البصري، أمضغ شعراء العرب للشيح والقيصوم، والمرويّ في ديوان أراجيزه:
* وبلد عامية أعماؤه*
الإعراب: «وبلد» الواو واو رب، بلد: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، «مغبرة» بالجر نعت لبلد باعتبار لفظه، «أرجاؤه» أرجاء: فاعل بمغبرة، وهو مضاف وضمير الغائب العائد إلى بلد مضاف إليه، والبلد يجوز تذكيره وتأنيثه، وقد ورد بهما في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ}[الأعراف، ٥٨]، وقال جل شأنه: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ}[سبأ، ١٥]، «كأن» حرف تشبيه ونصب، «لون» اسم كأن، ولون مضاف وأرض من «أرضه» مضاف إليه، وأرض مضاف، وضمير الغائب العائد إلى البلد مضاف إليه، «سماؤه» سماء: خبر كأن، وهو مضاف والضمير مضاف إليه، وهذا من عكس التشبيه؛ لأن القصد تشبيه السماء - قد ثار الغبار عليها - بلون الأرض والتشبيه المقلوب مما يستملح عند علماء البلاغة إن اشتمل على نكتة.
الشّاهد فيه: قوله «وبلد» حيث حذف حرف الجر الذي هو «رب» وأبقي عمله كما ترى بعد الواو، وذلك في العربية كثير جدا، والشواهد عليه من كلام الموثوق بعربيتهم لا يأتي عليها الحصر؛ فمن ذلك قول امرئ القيس بن حجر الكندي في معلقته:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتعت من لهو بها غير معجل
ومنها الشاهدان رقم ١٦٠ و ١٦١ الآتيان، وقول امرئ القيس في هذه المعلقة أيضا:
وواد كجوف العير قفر قطعته ... به الذّئب يعوي كالخليع المعيّل
١٦٠ - هذا بيت من الطويل من كلام امرئ القيس بن حجر الكندي، من معلقته المشهورة،