شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الإضافة قسمان: محضة، وغير محضة

صفحة 346 - الجزء 1

  فهذه الأنواع كلها نكرات، وهي في المعنى بمنزلة قولك: جاء زيد منفردا، وكم


أحدهما يتعلق به غرض المؤلف ههنا، وهو في قوله «لا أباك» حيث استعمل كلمة «أبا» اسما للا النافية للجنس، وأضافها إلى ضمير المخاطبة، فيكون قولهم «لا أبا لك» من باب الإضافة واللام مقحمة بين المضاف والمضاف إليه، وهذا أحد أقوال كثيرة في هذا التعبير، وليس من شأننا في هذه العجالة أن نفصل لك الأقوال، وبحسبنا أن نبين كلام المؤلف، ولم نعلم أنه قد جاء في العربية مثل بيت الشاهد مما أضيف إليه «أبا» صراحة إلا قول مسكين الدارمي في بعض رواياته:

وقد مات شمّاخ ومات مزرّد ... وأيّ كريم لا أباك مخلّد

والشاهد الثاني - وليس مما يتعلق به غرض المؤلف في هذا الموضع - في قوله: «تخوفيني» حيث حذف نون الرفع، وأبقى نون الوقاية، والذي سوغ هذا الحذف هو اجتماع المثلين، وأصل العبارة «تخوفينني» بنونين إحداهما نون الرفع والثانية نون الوقاية، وللعرب في مثل هذا ثلاث طرق:

الأولى: أن يثبتوا النونين جميعا بحالهما؛ فيقولون: أتخوفونني أيها الرجال، وتقول: أتخوفينني يا هند، وهذه الطريق هي الأصل، وعليها غالب استعمالهم، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ}⁣[سورة الأحقاف، الآية: ١٧].

الطريق الثانية: أن يثبتوا النونين جميعا أيضا، ولكنهم يدغمون إحداهما في الأخرى وقد جاءت هذه اللغة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ}⁣[سورة الزمر، الآية: ٦٤].

والطريق الثالثة: أن يحذفوا إحدى النونين، وللعلماء خلاف في المحذوفة منهما، والصحيح أن المحذوفة منهما هي نون الرفع، وقد وردت على هذه الطريقة جملة صالحة من الشواهد، منها هذا البيت الذي استشهد به المؤلف ههنا، وقد قرئ قوله تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}⁣[الحجر - ٥٤] - بنون واحدة قبل الياء على هذه اللغة.

ومن شواهد هذه الطريقة قول الشاعر، وهو من شعر الحماسة:

أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرا منها ولا أرد

الأصل: أنا الذي يجدونني.

وقد حذفت نون الرفع من غير أن يكون معها نون الوقاية في قول الآخر:

أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... شعرك بالعنبر والمسك الذكي

فإن الأصل: وتبيتين تدلكين شعرك - إلخ.