الثالث من المجرورات: المجرور بالمجاورة، وذلك واقع في بابين، ويقال: ثلاثة أبواب
  القياس الخفض على الجوار في عطف البيان؛ لأنه كالنعت والتوكيد في مجاورة المتبوع، وينبغي امتناعه في البدل؛ لأنه في التقدير من جملة أخرى؛ فهو محجوز تقديرا، ورأى هؤلاء أن الخفض في الآية إنما هو بالعطف على لفظ الرؤوس، فقيل: الأرجل مغسولة لا ممسوحة، فأجابوا على ذلك بوجهين؛ أحدهما: أن المسح هنا الغسل، قال أبو علي: حكى لنا من لا يتّهم أن أبا زيد قال: المسح خفيف الغسل، يقال: مسحت للصلاة، وخصّت الرجلان من بين سائر المغسولات باسم المسح ليقتصد في صب الماء عليهما؛ إذ كانتا مظنّة للإسراف، والثاني: أن المراد هنا المسح على الخفين، وجعل ذلك مسحا للرجل مجازا، وإنما حقيقته أنه مسح للخف الذي على الرجل، والسّنّة بيّنت ذلك.
  ويرجح ذلك القول ثلاثة أمور: أحدها: أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ؛ فينبغي صون القرآن عنه، الثاني أنه إذا حمل على ذلك كان العطف في الحقيقة على الوجوه والأيدي؛ فيلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية وهو {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} وإذا حمل على العطف على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي، والأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن الجملة، الثالث: أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاور، وعلى التقدير الأول حمل على غير المجاور، والحمل على المجاور أولى.
  فإن قلت: يدل للتوجيه الأول قراءة النصب.
  قلت: لا نسلم أنها عطف على الوجوه والأيدي، بل على الجار والمجرور، كما قال:
  ١٦٧ - * يسلكن في نجد وغورا غائرا*
١٦٧ - هذا بيت من الرجز المشطور، وهو من كلام العجاج بن رؤبة، الراجز، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٩) ورواه «يذهبن في نجد ...» وبعد هذا قوله:
* فواسقا عن قصدها جوائرا*
اللّغة: «نجد» هو ما ارتفع من الأرض، «غورا» هو المنخفض منها، «فواسق» جمع فاسقة،