مقدمة
  هذا الأسلوب ففيهما يزدهر وفيهما يبلغ قنّة الفنّ والجمال.
  (٣) الأسلوب الخطابي: هنا تبرز قوة المعاني والألفاظ، وقوة الحجة والبرهان، وقوة العقل الخصيب، وهنا يتحدث الخطيب إلى إرادة سامعيه لإثارة عزائمهم واستنهاض هممهم، ولجمال هذا الأسلوب ووضوحه شأن كبير في تأثيره ووصوله إلى قرارة النفوس، ومما يزيد في تأثير هذا الأسلوب منزلة الخطيب في نفوس سامعيه وقوة عارضته، وسطوع حجته، ونبرات صوته، وحسن إلقائه، ومحكم إشارته.
  ومن أظهر مميزات هذا الأسلوب التكرار، واستعمال المترادفات، وضرب الأمثال، واختيار الكلمات الجزلة ذات الرنين، ويحسن فيه أن تتعاقب ضروب التعبير من إخبار إلى استفهام إلى تعجب إلى استنكار، وأن تكون مواطن الوقف فيه قوية شافية للنفس. ومن خير الأمثلة لهذا الأسلوب خطبة علي بن أبي طالب(١) ¥ لمّا أغار سفيان بن عوف الأسدي(٢) على الأنبار(٣) وقتل عامله عليها:
  «هذا أخو غامد قد بلغت خيله الأنبار وقتل حسّان البكري(٤) وأزال خيلكم عن مسالحها(٥) وقتل منكم رجالا صالحين.
  «وقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة(٦)، فينزع حجلها(٧)، وقلبها(٨)، ورعاثها(٩)، ثم انصرفوا
(١) علي بن أبي طالب: هو رابع الخلفاء الراشدين، وأحد السابقين إلى الإسلام، وابن عم رسول اللّه ﷺ وصهره وقد اشتهر ببلاغته وشجاعته، توفى سنة ٤٠ هـ.
(٢) سفيان بن عوف الأسدي: هو أحد بنى غامد، وهي قبيلة باليمن، وقد بعثه معاوية لشن الغارة على أطراف العراق.
(٣) الأنبار: بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات.
(٤) حسان البكري: هو عامل على ¥ على الأنبار.
(٥) المسالح جمع مسلحة بالفتح: وهي الثغر حيث يخشى طروق العدو.
(٦) المعاهدة: الذمية
(٧) الحجل: الخلخال.
(٨) القلب بالضم: السوار.
(٩) الرعاث: جمع رعثة، القرط.