البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

[الاستعارة]

صفحة 76 - الجزء 1

البحث:

  في كل مثال من الأمثلة السابقة مجاز لغوىّ: أي كلمة استعملت في غير معناها الحقيقي فالمثال الأول من الأمثلة الثلاثة الأولى يشتمل على كلمتي الظلمات والنور ولا يقصد بالأولى إلّا الضلال، ولا يراد بالثانية إلّا الهدى والإيمان، والعلاقة المشابهة والقرينة حالية؛ وبيت المتنبي يحتوى على مجازين هما «البحر» الذي يراد به الرجل الكريم لعلاقة المشابهة، والقرينة «مشى» و «الأسد» التي براد بها الشجعان لعلاقة المشابهة، والقرينة «تعانقه»؛ والبيت الثالث يحتوى على مجاز هو «تصافحت» الذي يراد منه تلاقت، لعلاقة المشابهة والقرينة «بيض الهند واللمم».

  وإذا تأملت كل مجاز سبق رأيت أنه تضمّن تشبيها حذف منه لفظ المشبّه واستعير بدله لفظ المشبّه به ليقوم مقامه بادعاء أنّ المشبه به هو عين المشبّه، وهذا أبعد مدى في البلاغة، وأدخل في المبالغة، ويسمّى هذا المجاز استعارة، ولما كان المشبّه به مصرّحا به في هذا المجاز سمّى استعارة تصريحية

  نرجع إذا إلى الأمثلة الثلاثة الأخيرة؛ ويكفى أن نوضح لك مثالا منها لتقيس عليه ما بعده، وهو قول الحجاج في التهديد: «إنّى لأرى رءوسا قد أينعت» فإن الذي يفهم منه أن يشبه الرؤوس بالثمرات، فأصل الكلام إني لأرى رءوسا كالثمرات قد أينعت، ثم حذف المشبّه به فصار إني لأرى رءوسا قد أينعت، على تخيّل أن الرؤوس قد تمثلت في صورة ثمار، ورمز للمشبه به المحذوف بشئ من لوازمه وهو أينعت، ولما كان المشبه به في هذه الاستعارة محتجبا سميت استعارة مكنية، ومثل ذلك يقال في «امتطينا الخطوبا» وفي كلمة «المجد» في البيت الأخير.