[في عدم احتياج الأمة لعلوم أبي بكر]
  وإلى معرفة الحج وطوافه، وسعيه، والقول عند جميع المواقف، ورمي الجمار، والذبح، والحلاق، وما يُقدِّم وما يُؤخِّر، ومن أخر ما تقدم، وجميع علل ذلك؟ وما يجب على صاحبه مما لا يجب؟
  وإلى معرفة الطلاق، والإيلاء، والظهار، ومن طلَّق لغير العدة، ومن طلَّق واحدة، ونصف واحدة، وثلث واحدة، وربع واحدة؟ وما يجب في ذلك، وما يجوز منه مما لا يجوز؟
  وإلى معرفة المواريث والفرائض والأحكام في الدِّيات، والقصاص، والأرش، والحدود، وغير ذلك؟ وما يجب فيه وما لا يجب؟
  فأي هذه الأحاديث بها يعلم حكم جميع ما تحتاج إليه الأُمَّة مما قد وصفنا حتى تستغني به الأُمَّة عمَّن سواه؟! على أن أبا حنيفة، وزفر، وابن أبي ليلى، ومحمَّد بن الحسن، وجميع من قال برأيه، وجميع النقالة للأحاديث ممن ينسب إلى الستة وغيرهم مثل سفيان الثوري، وسعيد القداح، وابن جريح، وعطاء، ومالك، وغيرهم، قد وضعوا من الأحاديث فيما نزل وفيما لم ينزل من الجوامع وغيرها مما لا يحيط به علم، ولا(١) تشتمل عليه بصيرة بصير.
  فإن كان يستقيم في المعقول أن يستحق الخِلافة أقل الناس علماً وأقلهم رواية عن رسول الله ÷ للعلم جاز أن يكون عالم حديث واحد أحسن استحقاقاً للخِلافة من عالم حديثين، وعالم حديثين أحق من عالم ثلاثة، وعالم ثلاثة أحق من عالم أربعة، وهذا مما لا تحتمله العقول ..
  غير أن الذي تشهد عليه العقول وتستقيم عليه الأذهان عند جميع الخلق موافقهم ومخالفهم: أن عالم مائة حديث أحق وأولى بالخِلافة من عالم عشرة أحاديث، وعالم ألف حديث أحق وأولى من عالم مائة حديث، وعالم العلم كله حلاله وحرامه، وعلم ما يحتاج
(١) نخ (أ): ولم.