[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ لم يوص إلى أحد]
  فقل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: فأي مال أكبر، أو حق أوجب، أو وديعة أضمن من وديعة الله إيَّاه جميع ما تحتاج إليه أُمَّته من حلالها وحرامها؛ إذ كان رسولاً إلى آخر أُمَّته كما هو رسول إلى أولها، فأوجب عليه لآخرها ما أوجب عليه لأولها، وأنزل عليه من الحكم للآخر ما أنزل عليه من الحكم للأول(١)؟
  فإن زعموا أنه مضى ولم يستودع تلك الوديعة أحداً وحاشاه - ~ وَآلِهِ - فقد [أعظمت الفرية على الله خاصَّة](٢)؛ إذ زعموا أنه بعث نبياً إلى أُمَّةٍ بجميع ما تحتاج تلك الأُمَّة إليه، فلو علم اللهُ(٣) أن رسوله لا يبلغ ما أرسله به، وإن أقروا أنه قد استودع ما استودعه الله ø من يقوم به من بعده فالأُمَّة أولى وأحق بالعصيان لله بكتمان البلاغ، وإضاعة الوديعة من رسول الله ÷؛ لأنَّا نرى الله - تبارك وتعالى - أنزل نبيه ~ وَآلِهِ من عباده بمنزلة الوالد البر الحَدِبِ، الشفيق، الرؤوف الرحيم بأمر ولده، المدبر لشأنهم، العارف لأمورهم، العالم بمصلحتهم، وإنما يخاف عليهم فساده من بعده بما قلده الله من أمر عباده، فلم يكن ليدع حُسنَ النظر في هذا الوجه الذي ينسب من تركه إلى الجهل وسُوءِ التدبير وقبح الصفة.
  ووجدنا فيما أنزل عليه ووصفه دليلاً على ما وصفنا وذكرنا حين(٤) يقول تبارك وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ١٢٨ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة: ١٢٨ - ١٢٩]؛ فعلمنا أن من حُسن صفاته ونظره لمن بقي من بعده من أُمَّته عند وفاته أن ينصب لهم من يقوم مقامه، ويخلفه في أُمَّته بأحسن الخلافة، ويكون بمثل
(١) (ب، ج): مثلما أنزل عليه من الحكم للأول.
(٢) من (ب، ج) وفي (أ): فقد أعظم على الله الفرية خاصة.
(٣) (ب، ج): فلو لم يعلم الله.
(٤) في (ج): حيث.