الأصل الأول: العقل
  الإنسان من خلالها مفكراً ومتأملاً وفاهماً وناظراً، فالمرء الذي يحاول أن ينظر في المسائل والأدلة بآلة أخرى غير العقل لا يُمْكِنُهُ أن ينظر أو يفكر؛ لأنَّه قد ضيَّعَ الأداة التي لا بدَّ له من استخدامها.
  فالله سبحانه وتعالى عندما خلق العقل للإنسان، جعل له ثوابتَ وضوابط وقوانينَ ضرورية مرتكزةً في جميع العقول لا يحتاج العاقل أن يتعلمها، ولا يمكن أن يختلف فيها أو في بعضها العقلاء، بل هم متفقون عليها، ولا يمكن أن تطرأ عليها الشبهات والشكوك فتبطلها، مثل الأمور البديهية ككون السماء فوقنا، والأرض تحتنا، وأنَّ الكل أعظم من الجزء، وأنَّ الواحد نصف الاثنين، وأن الإنسان يدرك حسن النافع، ويدرك قبح المضار، وأنه يعلم أحوال نفسه من كونها عالمة أو جاهلة، شابعة أو جائعة، وأنَّ الفعل لا بد له من فاعل، والمحدَث لا بد له من محدِث، والصنعَ لا بد له من صانع، وغير ذلك من الضوابط الضرورية، فمن أنكر شيئاً من هذه الضوابط فقد خرج من زمرة العقلاء، وهذه العلوم هي التي تسمى (العلوم الضرورية) أو (علوم العقل العشرة).
  إنَّ مَن يحكم بأنَّ العقل ليس حجة من حجج الله تعالى لا يمكنه أبداً أن يحتجَّ على الكفار والمشركين والبراهمة ومنكري النبوات على أنَّ الدين الإسلاميَّ هو الدِّيْنُ الحقُّ، وأنَّه المنهج الصحيح، وأنَّه الصراط المستقيم، ولا يمكنه أيضاً ولا يستطيع أن يحتجَّ على إثبات نبوة محمد رسول الله ÷، بل لا يمكنه أن يحتجَّ على إثبات وجوده تعالى ووحدانيته، ولا إثبات عدل الله تعالى وحكمته، فأهوِن بمذهبٍ فساداً لا يستطيع معه صاحبه ومعتنقه أن يقيم الحجج على هذه المسائل المهمة، التي هي المهمات الضرورية عند كلِّ مسلم.