الروضة الندية في حقيقة الزيدية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الفصل الأول: (التوحيد)

صفحة 29 - الجزء 1

  الشكل واللون والحجم والطول والعرض والعمق، وهذا كاختلاف أعضاء المخلوقات بعضها لبعض، وهذا يدل على الشبيه والمثيل لله تعالى.

  ثالثاً: من الأدلة العقلية الدالة على أنَّه لا يجوز وصف الله تعالى بالجسمية؛ أن مفهوم الجسم هو ما يصح فيه التزايد كأن يقال: الفيل أجسم من الجمل؛ أي زائد عليه في الجسمية، والتزايد والنقصان من صفات المحدثات.

  والذي يدل عليه أن أهل اللغة متى ما شاهدوا جسمين قد اشتركا في الطول والعرض والعمق، وكان لأحدهما مزية على الآخر قالوا: هذا أجسم من ذلك يدل على هذا قول الفرزدق:

  وأجْسَمُ مِنْ عَادٍ جُسومُ رِجَالِهِمْ ... وأَكْثَرُ إنْ عُدُّوا عَديداً مِنْ الْتُّرْب

  فقد استعمل الشاعر لفظة (أجسم) التي هي أفعل تفضيل للمفاضلة بين الأجسام، ولفظة أفعل في التفضيل لا تستعمل - كما هو معلوم عند أهل اللغة - إلاَّ بين شيئين قد اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر في تلك الصفة، فيقال مثلاً: العسل أحلى من السكر، أي أنهما قد اشتركا في الحلاوة، ولكنَّ حلاوة العسل قد زادت على حلاوة السكر، ولا يقال: العسل أحلى من الصبر، لأنهما لم يشتركا في الحلاوة، فهذا يدل على أن الجسم عند أهل اللسان العربي هو الطويل العريض العميق، وإلاَّ لما استعملوا فيه أفعل التفضيل للزيادة في الجسمية في بعض الأجسام.

  فإذا ثبت أن المفاضلة يصح وقوعها بين الأجسام، كما تقول الفيل أجسم من الجمل، والجمل أجسم من الشاة، وغير ذلك، فلو جاز أن يكون الله تعالى جسماً - تعالى عن ذلك علواً كبيراً - لَصح التفاضلُ بينه وبين الأجسام، ولَصح