الروضة الندية في حقيقة الزيدية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الفصل الأول: (التوحيد)

صفحة 41 - الجزء 1

  ولا يجوز أن يراد معنى آخر غير هذا المعنى، لأن الإدراك وإن أفاد معان أخر، كاللحوق والنضوج والبلوغ، فليست مرادة في هذه الآية إجماعاً.

  ولا يجوز أن يكون المراد بالإدراك الإحاطة، لأن الإدراك لم يأت بمعنى الإحاطة في لغة العرب لا حقيقة ولا مجازاً، ولو كان بمعنى الإحاطة لكان ذلك إخلاء للآية من الفائدة، إذ يكون الله تعالى قد أخبر بما هو معروف عند المخاطب، وأيضاً يكون الله قد شاركه غيره في هذا المعنى، فإن كثيراً من الأشياء لا نحيط بها، كالسماء والأرض وغيرهما.

  ثالثاً: أن الله تعالى تمدح بأن الأبصار لا تدركه، والذي يدل على ذلك أن سياق الآية وضع للمدح، لأنه تعالى قال قبلها {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ١٠١ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ١٠٢ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}⁣[الأنعام]، فقد توسطت الآية بين صفات المدح، فلا بد أن تكون من صفات المدح، ولا يجوز أن يتوسط بين المدائح في الكلام الفصيح ما ليس بمدحٍ، ولهذا لا يجوز أن تقول: فلان عالم زاهد بخيل شجاع، بل يكون ذلك مُسْتَهْجَنَاً عند الفصحاء، مَعِيْبَاً عند البلغاء، وكلام الله تعالى يجب أن يُنَزَّلَ من الفصاحة أعلاها، فثبت أنه تعالى تمدح بنفي إدراك الأبصار عن نفسه.

  ومعنى ذلك: أنه تعالى لَمَّا بَيَّنَ تميزه عما عداه من الأجناس بنفي الصاحبة والولد، بيَّن أنه يتميز عن غيره من الذوات بأنه لا يُرى ولكنه يَرى.