[الدليل الثاني: السنة]
  مُرَجِّحٌ عمل به، وإلا تساقط الخبران ورُجِع إلى البراءة الأصلية، والله أعلم.
  الجهة الثالثة: في بيان ما به التزكية والجرح: هل يكفي الإطلاق فيهما، أو لا بد من ذكر السبب(١)؟ اختلف في ذلك:
  فقيل: لا يكفي(٢) فيهما؛ أما في العدالة فلأنه قد يَكثر التصنُّع(٣) فيها، فيتسارع الناس إلى البناء فيها على الظاهر.
  وأما في الجرح فلأنه يحصل بخصلة واحدة، فيسهل ذكرها. وأيضًا قد اختلف الناس فيما يُجرح به(٤)، بخلاف العدالة فلم يختلف في سببها(٥).
  وقيل: يكفي الإطلاق(٦) فيهما؛ لأن المزكِّي إن كان بصيرًا(٧) قُبِلَ جرحه وتعديله، وإلا فلا.
  وقيل: يقبل في التعديل دون الجرح(٨)؛ للاختلاف في أسباب الجرح دون العدالة، فسببها واحد لم يُختلف فيه.
(١) قيل: ويجب ذكر سبب الجرح، دون سبب التعديل، وهو قول الشافعي، واختاره والدنا المنصور القاسم بن محمد #؛ وذلك لانضباطه - أي: سبب الجرح - بخلاف التعديل؛ لأن أسباب التعديل كثيرة لا تنضبط، فلا يمكن ذكرها. وتحقيقه: أن العدالة بمنزلة وجود وصف مجموع يفتقر إلى اجتماع أجزاء وشرائط يتعذر ضبطها أو يتعسر، والجرح بمنزلة عدم ذلك الوصف، فيكفي فيه انتفاء واحد من الأجزاء أو الشرائط، فيجب ذكره. ح غ.
(٢) وهو الأولى؛ لاختلاف العقائد.
(٣) أي: التظاهر بالصلاحية.
(٤) فلا بد من ذكر السبب.
(٥) يرد عليه: ما يرد على القول الثالث من أن اجتناب أسباب الجرح ... الخ.
(٦) وهذا قول القاضي أبي بكر الباقلاني، وهو يروى عن الإمام يحيى بن حمزة #، واحتج له بقوله: لأنه - أي: الجارح والمعدل - بصير على ما هو المفروض، وإلا يكن بصيرا - بل شهد من غير بصيرة له بحالهما - لم يكن عدلا، فلا يعمل بقوله. وأورد عليه: أنه قد اختلف في سبب الجرح، فربما جرح بسبب لا يراه الغير جارحًا. وأجيب: بأن المفروض أنه عدل بصير، لا يطلق في محل الخلاف، وإلا كان مدلسًا مجروح العدالة، اللهم إلا أن يتفق مذهب الجارح والمجروح في أسباب الجرح والتعديل فإنه يجوز الإطلاق، وإن خالف فيهما مخالف، ولا يكون هذا مدلسًا.
(٧) يقال عليه: إن فسر البصير بما فسر به قوله: «عارف»، فالقولان واحد في المعنى، وإن فسر البصير بمن يعرف مطلق أسباب الجرح فالتغاير حاصل.
(٨) وهو قول الشافعي، واختاره والدنا المنصور بالله القاسم بن محمد #. شرح غاية. وعبارته # في مقدمته في أصول الفقه: ولا بد في الجرح من ذكر السبب؛ لجواز العذر فيما اعتقده الجارح أنه معصية. وقيل: بالعكس، فيكفي الإطلاق في الجرح فقط، دون التعديل. معيار وقسطاس.