[الدليل الثالث: الإجماع]
  ترك نقل المستند استغناءً بالإجماع. فلا إجماع إلا عن مستند، وإلا استلزم الخطأ(١)، أعني(٢): كونه غير حجة. وأيضًا يستحيل ذلك(٣) عادة(٤).
  ومنهم من جَوَّزَ(٥) الإجماع جزافًا من غير مستند؛ لأن العلماء مفوَّضون من جهته تعالى في الحكم، يحكمون بما شاءوا بعد بلوغ رتبة الاجتهاد. وأيضًا لو افتقر(٦) إلى الدليل لم يكن للإجماع فائدة؛ بل الفائدة في الدليل(٧)!
  قلنا: لا نسلم(٨) التفويض؛ إذ لا دليل عليه. وفائدةُ الإجماع(٩) سقوطُ البحث عن الدليل(١٠)، وتحريمُ مخالفته. وأيضًا يلزم من ذلك ألَّا يكون شيء من الإجماع له دليل؛ لعدم الفائدة، ولا قائل به. فتأمل!
  ومنهم من منع الإجماع عن الأمارة الظنية، وقال: لا بد من صدوره عن دليل قاطع.
  لنا: وقوعه، كإجماعهم(١١) على أن حدَّ الشارب ثمانون، بعد أن كان أربعين،
(١) يعني: خطأ الأمة؛ لابتداعهم شرعًا لا أصل له.
(٢) الظاهر أن يقال: فلا يكون.
(٣) أي: الإجماع من غير دليل.
(*) قوله: «وأيضًا يستحيل ذلك عادة» إذ الإجماع إنما يكون لداع يدعو الجميع، ولا داعي إلى الحكم إلا دليله. جلال.
(٤) كالاجتماع على أكل طعام واحد.
(٥) في المعيار وشرحه للسيد داود: وقيل: بل يجوز؛ إذ هم مفوضون، وللصواب معرضون [فلهم أن يحكموا بما شاءوا من دون مستند؛ لأن الله سبحانه يوفقهم لاختيار الصواب][٠]، وهذا القول تفرد به الفقيه مويس بن عمران؛ إذ من مذهبه أن المكلف متى بلغ رتبة الاجتهاد فقد صار مفوضًا من جهة الله تعالى في الحادثة، يحكم فيها بما شاء من غير نظر في دلالة ولا أمارة، وأن ما قضى به في الحادثة فهو مراد الله، بمعنى: أن الله يوفقه لإصابة مراده؛ لأن حاله عنده كحال النبيء ÷.
[٠] ما بين المعكوفين من شرح المعيار للسيد داود.
(٦) دليل ثانٍ للقائلين بجوازه جزافًا.
(٧) إذ هو مغنٍ عنه.
(٨) منع للدليل الأول.
(٩) دفع للدليل الثاني.
(١٠) وصيرورة الظني قطعيًّا.
(*) يعني: المستند. ومن فوائد الإجماع تصحيحه؛ لأن تلقيه بالقبول حكم بصحته.
(١١) أي: الصحابة.