فائدة
  وكما إذا قال بعض الأمة بوجوب النية في جميع العبادات، وقال باقيهم: لا تجب في شيء منها، فيأتي بعدهم من يقول بوجوبها في شيء دون شيء، فهذا جائز؛ إذ لم يرفع القولين كما ترى.
  وأما إذا رفعهما فلا يجوز؛ إذ هو يكون خرقًا للإجماع.
  مثاله: مسألة الجد مع الأخ، قيل: يرث المال كله ويسقط الأخ، وقيل: يقاسم الأخ، فالقول بحرمانه قول ثالث(١) رافع للقولين الأولين(٢)؛ إذ قد اتفقا على أنه لا يُحْرَمُ، فلا يجوز ذلك.
  (وكذلك) يجوز إحداث(٣) (دليل ثالث) أي: إذا استدل أهل العصر الأول على مسألة بدليلين جاز لمن بعدهم إحداث دليل ثالث.
  (و) كذا يجوز إحداث (تعليل ثالث(٤)) أي: إذا عَلَّل أهلُ العصر الأول مسألةً بعلتين جاز لمن بعدهم إحداث علة ثالثة، إلا أن تُغَيِّر تلك العلةُ المستخرجةُ من بعدُ الحكمَ فإنه يكون كالقول الثالث(٥)، فإذا علل أهل العصر
= وقيل: ثلث ما بقي فيهما؛ فالفرق - وهو القول بأن لها الثلث في مسألة، وثلث الباقي في مسألة - قول ثالث، وافق في كل مسألة مذهبًا، فلم يرفع القولين، فجاز. نعم، أما إذا نَصُّوا على أنه لا فصل بين القولين لم يجز إحداث الفصل؛ إذ هو مخالف لما أجمعوا عليه من أنه لا فصل. ذكر معناه في الجوهرة. ح. حا.
(١) ومثال الرافع في مسألة من القطعيات أن يقول بعض الأمة: الشفاعة للمؤمنين، وبعضهم للفاسقين، فلو قال قائل: لا شفاعة، رفعهما.
(*) وكالنية في الطهارات، قيل: تعتبر في جميعها، تيممًا ووضوءًا. وقيل: تعتبر في البعض. فالقول بانها لا تعتبر في الجميع قول ثالث يرفع الاتفاق على أنها تشترط في الجملة. ح. حا.
(٢) ومثال ما يرفع القولين: أن يطأ المشتري البكر، ثم يجد فيها عيبًا، فقيل: الوطء يمنع الرد، وقيل: بل يردها مع أرش النقصان، وهو تفاوت قيمتها بكرًا وثيبًا، فالقول بردها مجانًّا قول ثالث رافع للقولين. ح غ.
(٣) صوابه: استنباط؛ لئلا يلزم التشريع.
(٤) أو رابع.
(٥) كما لو اختلف في تعليل التفاضل في البر على قولين: فقيل: إن العلة الكيل، وقيل: الطعم، فإن ذلك يقتضي حرمة التفاضل في الملح؛ فلو جاء ثالث فعلَّل بِـ «الاقتيات» غيرت هذه العلة ذلك الحكم؛ لأنها تقتضي حل التفاضل في الملح، فاستخراجها - حينئذٍ - يكون كالقول الثالث الرافع للقولين، فلا يجوز التعليل بالاقتيات هنا على المختار، خلافًا لمالك. واعلم أن قول المصنف: «ثالث» يقتضي =