فائدة
  وأما الحديث: فلأنه قد بيَّنَ ÷ أن أمته «لن تجتمع على ضلالة»، فوجب أنهم لا يجمعون إلا على الحق؛ إذ لا واسطة بينهما؛ لقوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس ٣٢]، فاقتضى ذلك عصمتهم عن الخطأ، فحرمت مخالفتهم. وأيضا فإن ما يؤدي هذا المعنى من الأحاديث كثير جدًا، مثل قوله ÷: «لا تجتمع أمتي على الخطأ»، وقوله ÷: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين»، وهم: إما الآحاد أو الجماعة، والمعلوم أن بعض الآحاد على غير الحق، فتعين أنهم الجماعة. وقوله: «يد الله مع الجماعة»، «من فارق الجماعة قِيدَ(١) شبر فقد خلع ربقة(٢) الإسلام من عنقه»، إلى غير ذلك(٣) من الأخبار الدالة على هذا المعنى(٤)، وإن اختلفت عباراتها، ففيها تواتر معنوي؛ لأنه قد تواتر القدر المشترك(٥)، كما في شجاعة(٦) علي #، وجود حاتم.
  وأما قوله: «ولإجماعهم ..» الخ، فوجه الاستدلال به ظاهر، وهو أن الصحابة لما أجمعوا على تخطئة من خالف إجماعهم، ومثلهم في الفضل والعلم لا يجمع على
= فلفظ السبيل مفرد لا عموم له، ولو سلم فيحتمل التخصيص بسبيلهم في متابعة الرسول ÷، أو مناصرته أو الاقتداء به أو الإيمان به، ولو سلم أنه أريد ما يعم اتفاقهم في الأحكام الشرعية، لكنه مشروط بسابقة تبين كل هدى. سعد. فلا تثمر الآية القطع.
(١) بكسر القاف، أي: قدر شبر. جامع.
(٢) الربقة: القلادة في عنق البعير.
(٣) نحو: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة حتى يجيء المسيح الدجال»، «من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية»، إلى غير ذلك.
(٤) تنبيه: قال الإمام شرف الدين #: هذه الأدلة الدالة على حجية الإجماع لا تخلو من مناقشة؛ ولهذا ورد عليها ما ورد من الاعتراضات، والأظهر في الاحتجاج على ذلك أن يقال: إجماع الأمة يتضمن إجماع أهل البيت $؛ إذ هم بعض الأمة، بل سادتهم وخيرهم، وقد ثبت بالدليل القطعي عصمتهم على ما مر بيانه من الآيات والأخبار المتواترة معنىً، وفي تجويز الخطأ على الأمة تجويز الخطأ على أهل البيت $، وذلك ينافي العصمة التي قد ثبتت لهم. ح. حا.
(٥) وهو ثبوت عصمة هذه الأمة عن الخطأ. رفو.
(٦) ولقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}[البقرة ١٤٣]، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله تعالى اختارهم له شهداء على الناس من حيث حكم بخيريتهم ليكونوا شهداء؛ لأن الوسط من كل شيء خياره، ومنه قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}[القلم ٢٨]، أي: أعدلهم، وهو تعالى لا يختار شهداء إلا العدول الذين لا يجمعون على خطأ. ح. حا.