الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الدليل الرابع: القياس]

صفحة 177 - الجزء 1

  الرابعة: عكس هذه الصورة، وهي أن تكون العلة عدمية⁣(⁣١) والحكم الثابت عنها وجوديًّا. وهذه العلة مختلف فيها⁣(⁣٢)، والصحيح صحتها؛ لأن العلل الشرعية إنما هي كاشفة⁣(⁣٣) لا موجِبة كالعلل العقلية، فهي: إما أمارة للحكم أو باعثة، والأمارة والباعثة كما يصح أن تكون إثباتًا يصح أن تكون نفيًا، ولا مانع من ذلك.

  مثالها: تعليل⁣(⁣٤) كون المعجز معجزًا - وهو أمر وجودي - بالتحدي بالمعجز مع انتفاء المعارض، فهذه علة جزؤها عدميٌّ⁣(⁣٥)، وما جزؤه عدميٌّ فهو عدميٌّ، وقد عُلل بها وجوديٌّ. والخصم يوافق في صحة هذه العلة، فصح ما قلنا، وبطل قوله.

  وكذا تعليل صحة إملال⁣(⁣٦) وليِّ الصبي عن دَينه بعدم بلوغ الصبي⁣(⁣٧). وتعليل جواز ضرب الزوجة بعدم الامتثال، وغير ذلك⁣(⁣٨) كثير كما في البسائط.


(١) والمراد بكونها عدمية: أن يكون العدم مخصصا بأمر يضاف هو إليه، وأما العدم المطلق فلا كلام في أنه لا يعلل به؛ لعدم اختصاصه بمحل وحكم واستواء نسبته في الكل. شرح غاية.

(٢) وأما الثلاث الأوَلُ فمتفق عليها.

(٣) الحصر من الشارح يقضي بعدم صحة العلة الشرعية باعثة، وقد أثبتها بقوله: «إما أمارة ..» الخ، فظاهر كلامه التدافع، ولو قال: «لأن العلل تكون إما باعثة أو كاشفة، وكما يصح أن يكون إثباتًا يكون نفيًا» - لكان صوابًا. إفادة سيدي محمد بن محمد الكبسي.

(*) فالزنا باعث على شرعية الجلد، والمقتضي لشرعيته هو المصلحة بالحكم، ويكون معناها على هذا: الوصف الداعي إلى الحكم والباعث عليه، من حواشي الفصول.

(٤) هكذا عبارة العضد، قالوا: معرفة كون المعجز معجزًا أمر وجودي، وهو معلل بالتحدي بالمعجز مع انتفاء المعارض ... الخ.

(٥) ورُدَّ بمنع كون العدم جزءًا من المعرف، بل شرط. ودفع بوضوح أن التحدي لا يستقل بتعريف المعجز. شرح غاية بالمعنى.

(٦) الإملاء والإملال لغتان، وقد نطق بهما القرآن. كشاف. وفي القسطاس ما لفظه: الإملال: هو الإملاء، قلبت الهمزة لامًا وهو يتضمن الإقرار.

(٧) والمخالف يقول: العلة قصور الصبي عن درجة الإملاء، وهو وجودي؛ إذ معناه كونه في حالة غير الحالة المعتبرة فيه.

(٨) كالدوران فإنه علة لمعرفة كون المدار علة، فهي وجودية، والدوران عدمي؛ لأنه عبارة عن الوجود مع الوجود والعدم مع العدم، فأحد جزأيه عدم؛ فهو عدم. قولكم: العدم في الصورتين شرط لا جزء؟ قلنا: لا خفاء في أن التعريف لا يحصل إلا بمجموع التحدي وعدم المعارض، ولا نعني بكون العدم جزءًا له سوى هذا، والجزئية في الدوران أظهر. قالوا: لم يسمع أحد يقول: العلة كذا وعدم كذا، مع كثرة السبر والتقسيم، ولو كان صالحا لسمِع ولو قليلا؟ قلنا: قد سمِع، فإنه لا =