الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الدليل الرابع: القياس]

صفحة 201 - الجزء 1

  بقدمه، فإنه يقتل (وإن أظهر التوبة) فإن توبته لا تقبل⁣(⁣١)، ولا يصير بذلك محقون الدم⁣(⁣٢)، بل يسفك ويقتل؛ وذلك لأن مذهبه التَّقِيَّة، بأن يظهر خلاف ما يدين به، فلو قبلناها لم يمكن زجر زنديق أصلا، والزجر مقصود في الشرع، فلم يُرجع بذلك إلى أصل معين يشهد له بالاعتبار، بل يُرجع فيه إلى مصلحة جُملية اعتبرها الشرع، فَقِسناه عليها، وهي الزجر على سبيل الجملة. (وكقولنا: بتحريم النكاح على العاجز عن الوطء من تعصي لتركه) فإن من قال بذلك لا حجة له إلا القياس المرسل، وهو أنه يعرضها لفعل القبيح، والشرع يمنع من تعريض الغير لفعل القبيح في بعض الصور، نحو: المنع من الخلوة⁣(⁣٣) بغير المحرم من النساء، للاحتراز من المعصية، فلا أصل له معين يشهد له بالاعتبار، بل مرجعه إلى مصلحة جملية اعتبرها الشرع، وهي منعه من تعريض الغير لفعل القبيح. (وأشباه(⁣٤) ذلك) كثير⁣(⁣٥) مما مستنده القياس المرسل، كما هو موضوع في بسائط هذا الفن.

  (وهذا النوع) من القياس المرسل (هو المعروف) عند الأصوليين (بالمصالح المرسلة(⁣٦)) أي: التي لا يشهد لها أصل معين بالاعتبار ولا بالإلغاء،


(١) عند بعضهم، ومن العلماء من يقبل توبته، ويحيل ما في قلبه إلى من يعلم سريرته؛ لنحو: «هلا شققتَ عن سويداء قلبه»، وهو قول الأكثر، وهو المختار، والمثال إنما يراد للتفهيم لا للتحقيق. ح حا.

(٢) هذا مذهب المنصور بالله ومالك.

(٣) ولو عرف من نفسه أنه يحترز من المعصية ولا يحوم حولها. شرح السيد داود على المعيار.

(٤) كتكبير بعض أئمتنا أربعًا في صلاة الجنازة اجتهادًا للتأليف، واجتهاده الأصلي أنها خمس، وتقديم المصلحة العامة كالجهاد على المصلحة الخاصة كالقَوَد، وتناول سد الرمق عند تطبيق الحرام للأرض أو لناحية يتعذر الانتقال منها، وفسخ امرأة المفقود، واعتداد من انقطع حيضها لا لعارض معلوم بالأشهر؛ لما في التربص من الضرر، وأخذ نصف مال المسلم لدفع من يأخذ كله. حاشية فصول.

(٥) وذلك كرمي البغاة بالمنجنيق. منهاج.

(٦) ويسمى القياس المرسل، والاستدلال المرسل، والمصلحة المرسلة، وهو ضرب من الاجتهاد الذي لا أصل له معين. حا. فإن قلت: ما معنى تسميته قياسا مرسلا وليس بقياس؛ لأنه لا أصل له معين؟ قلت: لأنه جارٍ على القياس - أي: القاعدة - حيث روعي فيه جلبُ المصالح ودفعُ المفاسد.