الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الاستدلال]

صفحة 248 - الجزء 1

  قيل: إنه دليل في حقنا⁣(⁣١)، يجب علينا العمل به إذا عدم علينا الدليل. وقيل: لا.

  وأما في حق النبيء ÷ فقد اختلف في ذلك على حالين:

  الحالة الأولى: قبل بعثته، فمنهم من قال: إنه تَعَبَّدَ بشريعة نوح⁣(⁣٢). وقيل: إبراهيم. وقيل: موسى. وقيل: عيسى. وقيل: ما ثبت أنه شرع⁣(⁣٣).

  (و) منهم من قال⁣(⁣٤) - وهو (المختار(⁣٥) - أن النبيء(⁣٦) ÷ لم يكن قبل البعثة متعبَّدا بشرع) من شرائع الأنبياء $؛ إذ لو كلف بذلك وتعبد به لم يكن له بد من طريق إلى العلم به، ولا طريق له إلى ذلك؛ لعدم الثقة بالنقلة مع تحريف الكتابين. وأيضا لم يعرف بالأخذ من أحد من أهل الكتاب.

  الحالة الثانية: بعد البعثة، فقيل: إنه ÷ أتى بشريعة مبتدأة.

  (و) المختار عند المصنف (أنه) ÷ (بعدها) أي: بعد البعثة (متعبَّد بما لم يُنسخ من الشرائع) المتقدمة جميعا، وأما ما نسخ بشريعته فظاهر أنه لم يتعبد به، بل بغير ذلك. وهذا القول هو مذهب المؤيد بالله، وأبي طالب، والمنصور بالله، وغيرهم⁣(⁣٧). قالوا: للاتفاق على الاستدلال على وجوب القصاص بقوله تعالى:


(١) هذا إنما يستقيم على القول بأن النبي ÷ بعد البعثة كان متعبداً بما لم ينسخ من الشرائع كما في المتن.

(٢) وهو اختيار البيضاوي وابن الحاجب وغيرهما. شرح غاية.

(٣) بطريق مفيدة للعلم، وهو المختار. ح غ.

(٤) وهو اختيار أبي الحسين البصري وبعض المتكلمين. شرح غاية.

(٥) عند أئمتنا وجمهور المعتزلة وبعض الفقهاء. ح حا.

(٦) قال في شرح الغاية: قالوا: تعبده ÷ بشرع يستلزم مخالطته لأهل ذلك الشرع للأخذ عنهم، ومَن تتبع كتب السير علم انتفاءها؛ فينتفي الملزوم. وأجيب: بأن استلزام التعبد المخالطة ممنوع في التواتر؛ لحصول التواتر من دونها، وهي غير مفيدة في غيره كالآحاد؛ لأنا لا ندعي تعبده إلا بما علم شرعيته، والآحاد لا تفيد علما.

(٧) بعض الفقهاء، وحجتهم على ذلك قوله تعالى بعد تعداد جماعة من الأنبئاء $: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}⁣[الأنعام ٩٠]، وقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}⁣[الشورى ١٣]، وقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}⁣[المائدة ٤٤]. وعند أكثر أئمتنا $ والجمهور: أنه لم يكن متعبدًا بشرع من قبله؛ وحجتهم على ذلك: أنه لو تعبد بشرع من قبله لكان يجب أن يضاف كل شرعه إليه، ولأضيف ما تبع غيره فيه إلى شارعه، وكان كالمؤدي عنه؛ لأن الشريعة إنما هي للمتبوع، على ذلك جرى الأسلوب. وأيضًا لو كان متعبدا بذلك إذًا لرجعت الصحابة فيما لا نص فيه إلى الكتب السالفة، لا إلى القياس، فلما لم يرجعوا إليها بل آثروا القياس عليها دل على عدم تعبده بشيء مما فيها. =