الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الاستدلال]

صفحة 249 - الجزء 1

  {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...}⁣[المائدة ٤٥]، الآية.

  فلولا أنه متعبد بشرع من قبله لما صح الاستدلال بوجوب القصاص في دين بني إسرائيل على وجوبه في دينه ÷. وأيضًا فإنه ÷ قال: «من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، وتلا قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}⁣[طه ١٤]، وهي مقولة لموسى⁣(⁣١)؛ فدل ذلك على تعبده بالشرائع التي لم تنسخ من شرائع مَن قَبلَه.

  ويمكن أن يُجاب عن هذا الاستدلال بأن يقال في الآية الأولى: إنها حكاية، وقررها الله تعالى في شريعته، فاتفق الشريعتان في الحكم.

  وكذا يقال في قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}: إنه اتفق الشريعتان في الحكم. كذا ذكره الإمام المهدي # في شرح المعيار.

  وقال بعض المحققين من أهل المذهب: الصحيح عندنا أنه ÷ لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع المتقدمة، لا قبل البعثة ولا بعدها، إلا ما حكاه الله تعالى بالوحي ولم يثبت فيه نسخ ولا إنكار له⁣(⁣٢)، فإنه متعبد به، وكذلك نحن متعبدون به أيضًا، والله أعلم.

  وإذا صح تعبده ÷ بما لم ينسخ من الشرائع (فيجب علينا) حينئذ (الأخذ بذلك عند عدم الدليل في شريعتنا)، كما ذكرنا في وجوب القصاص.


= ودفعوا حجة الأولين بأن الدلالة قد قامت على أنه لم يتعبد بشرع من قبله، فوجب حمل ما احتجوا به من الآيات على ما يوافق تلك الأدلة؛ إذ الواجب الجمع مهما أمكن؛ فمراده تعالى أمره ÷ أن تطابق اعتقاداته اعتقادات من سبقه من الأنبئاء في الإلهية والتوحيد والعدل، وما أخبروا به من البعث والنشور والحساب والعقاب ونحو ذلك، فاعتقادهم في ذلك لا يختلف، بخلاف العمليات. ح حا. قوله: «على ذلك جرى الأسلوب»: قال في القسطاس: يمكن أن يدفع بأنه إنما يلزم ذلك لو أخذه عن الشارع الأول سماعاً منه أو بنقل أحد من البشر، وأما إذا أخذه عن الله فلا يلزم إضافته إلى من كان شرعا له.

(١) وسياق هذا الكلام يدل على الاستدلال بقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}⁣[طه ١٤] على أنه عند التذكر تجب الصلاة، وإلا لم يكن لتلاوته فائدة؛ وذلك دلالة الإيماء، فلو لم يكن هو وأمته متعبدين بما كان موسى متعبدا به في دينه لما صح الاستدلال. قسطاس.

(٢) كالجمع بين الأختين. شرح غاية.