الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الاستدلال]

صفحة 250 - الجزء 1

  (قيل: ومنه) أي: من الاستدلال نوع رابع: وهو (الاستحسان(⁣١))، والمختار: أنه دليل ثابت عندنا (وهو عبارة عن دليل يقابل القياس الجلي(⁣٢))، كما يقال مثلًا: إن القياس يقتضي أن المثليَّ مضمون بمثله، فالعمل بخبر المصراة استحسان؛ لأنه دليل قابل القياس كما ترى.

  (وقد يكون ثبوته) أي: الاستحسان: (بالأثر) كما في خبر المصراة. (وبالإجماع) كما في دخول الحمام بأجرة مجهولة⁣(⁣٣)، والقياس لا يجوز، لكن استحسن جوازها للإجماع. (وبالضرورة) كما في طهارة الحياض والآبار على أصول الحنفية⁣(⁣٤). (وبالقياس الخفي) كما يقال في الصيرفي مثلا: إذا ملك نصابًا من الذهب أو الفضة⁣(⁣٥) قيمته دون نصاب من الجنس الآخر، فالقياس الجلي على أموال التجارة أنها لا تجب عليه الزكاة⁣(⁣٦)، كما إذا ملك ما قيمته دون نصاب من عروض التجارة؛ لأن نقود الصيارفة كسلع التجارة، والاستحسان يجب للقياس الخفي؛ لأنه قد ملك نصابا كاملا مما تجب فيه الزكاة على غيره، والله أعلم.


(١) واختلفوا في تحقيق معناه، وكونه دليلا معمولا به، فقال به بعض أصحابنا والحنفية والحنابلة. وأنكره غيرهم، حتى قال الشافعي ¦: مَن استحسن فقد شَرَّعَ، أي: أثبت حكمًا من تلقاء نفسه لا من قبل الشارع. شرح غاية. قال في القسطاس في تفسير كلام الشافعي ما لفظه: يعني من أثبت حكما مستحسنا عنده من غير دليل من قبل الشارع فهو الشارع لذلك الحكم؛ لأنه لم يأخذه من الشارع، وهو كفر أو كبيرة.

(*) قال سعد الدين في حاشيته على العضد ما لفظه: اعلم أن الذي استقر عليه رأي المتأخرين هو أن الاستحسان عبارة عن دليل يقابل القياس الجلي الذي تسبق إليه الأفهام، وهو حجة؛ لأن ثبوته بالدلائل التي هي حجة إجماعا؛ لأنه: إما بالأثر كالسلم والإجارة وبقاء الصوم في النسيان، وإما بالإجماع كالاستصناع، وإما بالضرورة كطهارة الحياض والآبار، وإما بالقياس الخفي وأمثلته كثيرة. والمراد بالاستحسان في الغالب: قياس خفي يقابل قياسا جليا، وأنت خبير بأنه على هذه التفاسير ليس دليلا خارجا عما ذكر من الأدلة.

(٢) المراد بالقياس الجلي هنا: السابق إلى الفهم، لا ما صرح فيه بالعلة وقطع فيه بنفي الفارق.

(٣) القياس المنع؛ لجهالة ما يستغرق من المنافع والماء، وثبت بإجماع المسلمين عليه. ح حا.

(٤) فإن القياس على أصولهم يقتضي أنها كغيرها في النجاسة؛ لكن ضرورة الاحتياج إليها أباح ذلك.

(٥) الأولى أن يقال: إذا ملك دون نصاب من الذهب أو الفضة قيمته نصاب من الجنس الآخر.

(٦) لكن تجب الزكاة للنص، وهو قوله ÷: «في عشرين مثقالا نصف مثقال».