الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الأمر]

صفحة 292 - الجزء 1

  فيه (لغة وشرعا(⁣١)): أما في اللغة فذلك (لمبادرة العقلاء) من أهل اللغة (إلى ذم عبد(⁣٢) لم يمتثل أمر سيده)، وهم لا يذمون على ترك فعل إلا والفعل واجب، فلولا أنه حقيقة في الوجوب لما فهموا ذلك منه، وتبادروا إليه. وكذلك فإنهم⁣(⁣٣) يصفون كل مأمور لم يفعل ما أُمِرَ به بأنه عاصٍ، ولا يوصف بالعصيان إلا من خالف ما حُتم عليه. ومن ذلك قول معاوية - لعنه الله - يخاطب مملوكه:

  أمرتكَ⁣(⁣٤) أمرًا حازما فعصيتني

  (و) أما في الشرع فذلك (لاستدلال السلف(⁣٥)) الماضين من الصحابة


(١) لفظ الغاية وشرحها: ولنا على صحة هذا المذهب المعقول والمنقول، أما المعقول - ونعني به الاستفادة من موارد اللغة، لا إثبات اللغة بالقياس والترجيح - فلأنا نقطع بحسن ذم العقلاء من أهل اللغة قبل ورود الشرع لعبد لم يمتثل أمر سيده، ووصفهم له بالعصيان، ولا يذم ويوصف بالعصيان إلا تارك الواجب.

(٢) ونظر بأن طاعة العبد لسيده معلوم شرعاً لا من جهة اللغة، فالأحسن في المثال «إلى ذم ولد لم يمتثل أمر والده»، وفيه ما فيه.

(٣) لا يقال: ذم أهل اللغة ووصفهم بالعصيان لا يقضي بالوجوب، إذ لا حكمة فيهم ولا عصمة، وأيضاً فإنهم قد يذمون على ترك القبيح، كما يفعلونه عند كف أحدهم عن مصاولة الأقران، وإن كان ذلك قبيحاً، وغير ذلك من صنيعهم؛ لأنا نقول: إنا لم نحكم بإصابتهم في اعتقادهم وجوب ذلك، وإن ما قالوا بوجوبه فهو واجب في نفس الأمر، وإنما استدللنا به على أنهم وضعوا صيغة الأمر للوجوب، واعتادوا استعمالها فيه، وإذا كان تعالى خاطبنا بلغتهم اقتضى ما أطلقه من الصيغ المخصوصة الوجوب حيث لا قرينة تصرف عن ذلك، وكذا رسول الله ÷. قسطاس.

(٤) لا يستقيم البيت شاهداً على المقصود؛ لأن الوجوب يفهم من قوله: حازماً؛ فيكون قوله: «فعصيتني» باعتبار الحزم، فليتأمل ذلك، وحازماً بالحاء المهملة، كذا صحح.

(*) تمامه:

فخدك إذ لم تقبل النصح عاثر

وقبله:

حريث ألم تعلم وعلمك ضائع ... بأن علياً للفوارس قاهر

وأن علياً لم يبارزه فارس ... من الناس إلا أقصعته الأظافر

وفي شرح النهج وغيره: أقصدته الأظافر.

(٥) واعتُرض بأن هذا الدليل إنما يفيد الظن بأن الأمر للوجوب، وذلك لا يكفي في الأصول. وأجيب بالمنع، بل هو قطعي، ولو سلّم فإنه يكفي الظهور في مدلولات الألفاظ ونقل الآحاد، وإلا تعذر العمل في أكثر الظواهر؛ إذ المقدور فيها إنما هو تحصيل الظن. ح - غ.

(*) ولنا أيضاً من السمع أدلة كثيرة، منها: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ٤٨}⁣[المرسلات]، =