[الأمر]
  والتابعين وغيرهم (بظواهر) صيغ (الأوامر) مطلقة مجردة عن القرائن (على الوجوب)، وتَكَّرَّرَ ذلك(١) وشاع وذاع، ولم ينكر عليهم أحد، وإلا لنقل، وذلك يوجب العلم باتفاقهم على ما اخترناه، كالقول الصريح. من ذلك حملهم قوله ÷ في المجوس: «سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب»، وقوله في ناسي الصلاة: «فليصلها إذا ذكرها». وقوله في ولوغ الكلب: «فليغسله»، ونظائر ذلك كثير. لا يقال: إن السلف كما حملوا الأمر على الوجوب، حملوه أيضا على الندب، ونقل ذلك عنهم كما نقل الحمل على الوجوب وحملوه أيضا على الإباحة، فلا يصح هذا الاستدلال؛ لأنا نقول: إنهم وإن حملوه على الندب أو الإباحة، ونقل عنهم ذلك، فإنه نقل عنهم أنهم إنما حكموا بذلك لقرائن أظهروها عند الاستدلال تدل على ذلك، بخلاف الوجوب، فلم ينقل عنهم أنهم افتقروا إلى قرينة في حمل الأمر عليه، فصح ما قلنا، والله أعلم.
  (وقد ترد صيغته) أي: الأمر، وهي «افعل» (للندب، والإباحة، والتهديد، وغيرها، مجازا) والمجاز لا بد فيه من علاقة، وسنذكرها في سياق الأمثلة إن شاء الله تعالى.
  أما الندب فذلك كقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}(٢) [النور ٣٣].
  ومن الندب: التأديب(٣)، كقوله ÷(٤): «كُلْ مما يليك»، فالأدب مندوب
= وهو ذم على مخالفتهم الأمر؛ فثبت الوجوب. وقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}[طه]، استفهام استنكاري، أي: أتركت مقتضاه وهو الامتثال، وذلك دليل على الوجوب. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ}[الجن ٢٣]؛ إذ هو وعيد على عصيان الأمر، وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣}[النور]، وكل ذلك دليل الوجوب. ح معيار للسيد داوود.
(١) يعني استدلالهم بالأمر على الوجوب.
(٢) ودليل الندب القياس على سائر المعاوضات؛ فهو صارف عن الظاهر كالتخصيص، ذكره في البحر.
(٣) وجه كونه تأديباً لا مندوباً أن المخاطب غير مكلف ..
(٤) لعمر بن أبي سلمه المخزومي: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، أخرجه البخاري ومسلم من =