الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[المخصص قسمان: متصل ومنفصل]

صفحة 319 - الجزء 1

  أنه إذا ورد عام وبعده ضمير يرجع إلى بعض ما تناوله العام، فإن عود الضمير إلى ذلك البعض لا يقتضي تخصيص العام، بل يبقى على عمومه، مثال ذلك قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}⁣[البقرة ٢٢٨]، فهذا عام للرجعيات والبوائن، ثم قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}⁣[البقرة ٢٢٨]، والضمير لا يعود إلا إلى الرجعيات فقط⁣(⁣١)، لا إلى البوائن؛ إذ الزوج لا يملك رجعتهن، فيبقى الأول على عمومه، ولا يخصصه عود الضمير إلى البعض؛ (إذ لا تنافي بين ذلك(⁣٢)) أي: بين أن يُذكر بعد العام حكمٌ لا يتأتى إلا في بعض أفراده وبين بقاء العام على عمومه، ولا بين عود الضمير إلى بعض أفراد العام، وبين العام فحينئذ يبقى العام على عمومه (في) هاتين (الصورتين) جميعا؛ إذ يجوز أن يختص بعض مدلول العموم بحكم دون البعض الآخر، ولا تنافي في ذلك. والموجِب للتخصيص هو التنافي أو ما يجري مجراه، فلا يُحمل على التخصيص إلا حيث يحصل ذلك؛ إذ يمتنع العمل بهما من كل وجه، فيصار إلى العمل بهما من وجه.

  فمثال التنافي: اقتلوا المشركين، لا تقتلوا أهل الذمة.

  ومثال ما يجري مجراه: اقتلوا المشركين، أكرموا أهل الذمة، فتأمل، والله أعلم.

[المخصص قسمان: متصل ومنفصل]

  (والمخصِّص) - بكسر الصاد - للعام قد تقدم أن المخصص في الحقيقة هو إرادة المتكلم، وأنه يطلق مجازا على الدال على الإرادة⁣(⁣٣)، وهو المراد هنا. فالمخصِّص بهذا المعنى قسمان: (متصل، ومنفصل)؛ لأنه إما أن يستقل بنفسه⁣(⁣٤) أوْ لا يستقل؟

  إن استقل فهو المنفصل، وإن لم يستقل فهو المتصل.


(١) فخروج المبتوتات من قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} بدليل آخر. ح معيار للسيد داود.

(٢) وإذا لم يتعارضا فيجب العمل بهما من كل وجه؛ عملاً بالمقتضى السالم عن المعارض.

(٣) في المخطوطتين: على التخصيص، وعليها حاشية في النسختين صوابه على الإرادة كما تقدم.

لفظ الغاية وشرحها: ويقال، أي: ويطلق المخصص على الدال عليها - أي: على الإرادة - مجازاً سواء كان ذلك الدال لفظياً أو عقلياً؛ تسمية للدال باسم المدلول، إلا أنه مجاز قد أخرجته الشهرة إلى حيز الحقيقة.

(٤) في الإفادة، وأما في النطق فممكن. ح حا، ولذلك كان «أكرم الناس ولا تكرم زيداً» منفصلاً وإن اتصل لفظاً؛ لاستقلاله. فصول، وحاشية.